بعد أسبوع من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي أدى حتى صباح الثلاثاء، في 15 تموز/يوليو، إلى سقوط 187 شهيداً ونحو 1400 جريح، بدأت الأصوات الدولية تتعالى بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، وإلى دعم المبادرة المصرية الجديدة للتهدئة التي أُعلنت مساء الاثنين في 14 تموز/يوليو وحظيت بدعم اجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد في القاهرة في اليوم نفسه، وهي المبادرة التي تستعيد إلى حد كبير بنود اتفاقية التهدئة التي طرحتها مصر وأفضت إلى وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع في سنة 2012.
وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنى بالإجماع، في 11 تموز/يوليو، بياناً رئاسياً، ساوى بين الضحية والجلاد، عندما دعا إسرائيل وحركة حماس إلى "نزع فتيل التوتر في قطاع غزة وعودة الهدوء وإعادة إرساء وقف إطلاق النار الذي أُعلن العام 2012"، وإلى "احترام القوانين الإنسانية الدولية وخصوصاً حول حماية المدنيين."
مواقف دولية سافرة في تغطيتها للعدوان الإسرائيلي
لم يكن موقف الولايات المتحدة الأميركية من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة غريباً عندما أيدت، منذ اليوم الأول للعدوان، "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها من الهجمات الصاروخية من جانب جماعة حماس الإرهابية"، على حد وصف المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين ساكي التي رأت، خلافاً للوقائع، أن "العدوان 'جاء' مؤخرًا من حماس فى غزة ". وتبنى الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال المكالمة الهاتفية التي أجراها في 11 تموز/يوليو مع بنيامين نتنياهو، الموقف نفسه عندما أعرب "عن إدانة الولايات المتحدة الشديدة لنيران الصواريخ التي لا تزال تطلق على إسرائيل من حماس وسواها من تنظيمات إرهابية في غزة"، مؤكداً " حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد هذه الهجمات."
وفي الاتجاه نفسه، أكد رئيس الحكومة الكندية ستيفن جوزيف هاربر، الحليف الوثيق للولايات المتحدة الأميركية، في بيان أصدره في 13 تموز/يوليو، أن بلاده "تقف حتى النهاية مع إسرائيل وتدعمها في حربها على قطاع غزة"، موضحاً أن "القوات الفلسطينية تطلق الصواريخ في اتجاه إسرائيل بدون التفريق بين مدني وعسكري."
بيد أن الغريب، والمستهجن، كان موقف الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا هولاند، الذي أكد، خلال المكالمة الهاتفية التي أجراها مع نتنياهو نفسه في 9 تموز/يوليو، أن فرنسا "تدين بشدة الاعتداءات على الدولة العبرية"، معتبراً أن "من واجب الحكومة الإسرائيلية اتخاذ كل الإجراءات لحماية سكانها إزاء هذه التهديدات." ويبدو أن الرئيس الفرنسي حاول أن يستدرك، في اليوم التالي، هذا الموقف السافر في تأييده العدوان الإسرائيلي، عندما أصدر بياناً يعرب فيه عن أسفه "لأن العمليات العسكرية الجارية أوقعت عدداً من الضحايا الفلسطينيين"، ويدعو فيه الفلسطينيين والإسرائيليين إلى "ضبط النفس"، وإلى "ضمان حماية السكان المدنيين والحؤول دون تصاعد العنف."
مواقف دولية تساوي بين الضحية والجلاد
عبّر عن هذه المواقف العديد من الأطراف الدولية الفاعلة، وفي مقدمها روسيا والصين وبريطانيا وإيطاليا وهيئة الأمم المتحدة.
فقد أشار سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، عند بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى "أنه من المهم مبدئياً وقف قصف الأراضي الإسرائيلية، وكذلك وقف الضربات الانتقامية على قطاع غزة"، معتبراً ذلك مقدمة لتحقيق الهدنة "التي سبق أن أعلنت في هذه المنطقة أكثر من مرة." وخلال المكالمة الهاتفية التي جرت بين فلاديمير بوتين وبين بنيامين نتنياهو، في 10 تموز/يوليو، دعا الرئيس الروسي إلى "الوقف العاجل للمواجهة العسكرية التي تؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين". أما ممثله في هيئة الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، فقد أعلن في تصريح له يوم 11 تموز/يوليو:" "أدانت روسيا الجرائم التي يتم ارتكابها ضد إسرائيل، كما قمنا أيضاً بإدانة استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين في القطاع."
وفي الاتجاه نفسه، دان الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية تشن غانغ، " إلحاق الضرر بالمدنيين في الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي "، لافتاً إلى أن الصين بلّغت السفيرين، الفلسطيني والإسرائيلي، لديها "بضرورة وقف العنف".
وفي بيان صحافي أصدره في 8 تموز/يوليو، دعا وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ " إلى الإيقاف الفوري لإطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية، وترويع الأبرياء، لأن لهم الحق بالعيش بأمن وسلام"، كما دعا الحكومة الإسرائيلية "إلى وقف العمليات العسكرية، وإعطاء فرصة للشعب الفلسطيني في غزة كي يعيش في أمن وسلام." وتبنت الموقف نفسه وزيرة الخارجية الإيطالية فيديريكا موغيريني، التي رأت، في تصريح أصدرته في 11 تموز/يوليو، " أن التهديد الذي تستخدمه حماس ضد أمن إسرائيل مع الهجمات الصاروخية المستمرة على أهداف مدنية أمر غير مقبول، كما أن حصيلة الضحايا الفلسطينيين كل يوم ثقيلة ولا تطاق".
وكان الناطق بلسان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد شدّد ، يوم 8 تموز/يوليو، على ضرورة "وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية ضد المناطق المدنية" في إسرائيل، ودعا الطرفين إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس" وتجنب "سقوط ضحايا مدنيين" . وفي 10 تموز/يوليو، أشار بان كي مون نفسه إلى "أن المدنيين في غزة واقعون بين الموقف غير المسؤول لحماس وبين الرد الإسرائيلي القاسي." ومع أنه رأى أن إسرائيل " لديها تخوفات مشروعة على أمنها"، إلا إنه عبّر "عن قلقه لسقوط العديد من الفلسطينيين بين قتيل وجريح ضحايا العمليات الإسرائيلية".
مواقف دولية منددة بالعدوان الإسرائيلي
كان موقف جمهورية إيران الإسلامية حازماً في تنديده بالعدوان الإسرائيلي ودعوته إلى نصرة الشعب الفلسطيني، إذ دعا الرئیس الإيراني حسن روحانی، فی رسالة إلی رؤساء الدول الإسلامیة في 11 تموز/يوليو، إلی "استخدام کافة طاقات العالم الإسلامي لكسر حصار غزة بشکل عاجل وشامل"، مضيفاً:"دون أدنى شك، فإن الشعب الفلسطیني المقاوم والبطل من خلال إرادته، التی لا یمکن وصفها، سیلحق مرة أخری الهزیمة بالعدو الصهیوني".
واتخذت الحكومة التركية الموقف نفسه، إذ أكد رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، منذ اليوم الأول للعدوان، أن الشعب التركي " لا يمكن أن يدير ظهره لغزة التي يقصفها الجيش الإسرائيلي يومياً". وفي الخطاب الذي ألقاه في 10 تموز/يوليو أمام حشد كبير في مدينة طوقاط، ضمن حملته الانتخابية لرئاسة الجمهورية، عاد أردوغان لتأكيد أنه "لا يمكن الوقوف على الحياد في قضية فلسطين التي يقتل فيها العزل والأبرياء"، منتقدًا تصريحات منافسه الرئاسي أكمل الدين إحسان أوغلو التي قال فيها إن على تركيا أن "تقف على الحياد" في القضية الفلسطينية.
من جهة ثانية، دان محمد نجيب عبد الرزاق، رئيس الحكومة الماليزية، الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، وأعرب على صفحته على موقع فيس بوك عن أسف بلاده " على خسارة الأرواح البريئة". بينما دعا الرئيس الإندونيسي سوسیلو بامبانغ یودهویونو، في اتصال أجراه الرئيس الإيراني حسن روحاني معه في 12 تموز/يوليو، إلی تعاون كل الدول " لوقف العنف و الحرب على غزة علی وجه السرعة ".
تحركات ومواقف شعبية تضامنية مع الشعب الفلسطيني
شهد العديد من دول العالم تحركات شعبية منددة بالعدوان الإسرائيلي ومتضامنة مع الشعب الفلسطيني، كان من أبرزها التظاهرات الحاشدة التي شهدتها شوارع مدن إندونيسيا، أكبر دولة مسلمة في العالم، والمسيرة الشعبية التي نظمها تجمع المؤسسات الفلسطينية في التشيلي يوم 13 تموز/يوليو، والتي ضمت، بحسب تقديرات الشرطة، أكثر من عشرة آلاف من المواطنين التشيليين، الذين عبّروا عن تضامنهم وتعاطفهم مع الشعب الفلسطيني في وسط مدينة سانتياغو، وهم يحملون أعلام فلسطين ولافتات تندد بالجرائم التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين، وتطالب الحكومة التشيلية بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل.
وفي فرنسا، جرت بدعوة من الحزب الشيوعي الفرنسي وجبهة اليسار، يوم 12 تموز/يوليو، تجمعات جماهيرية في عدد من المدن الفرنسية للتعبير عن استنكار "هذه الحرب الجديدة ضد الشعب الفلسطيني". وكان الحزب الشيوعي الفرنسي قد أصدر، في 11 تموز، بياناً دعا فيه الحكومة الفرنسية إلى "فرض عقوبات" فرنسية وأوروبية على إسرائيل، إلى أن تقبل باحترام قرارات الأمم المتحدة، وعبّر عن إدانته الحازمة للعدوان الإسرائيلي على غزة. كما طالب حزب "أوروبا الإيكولوجية-الخضر" بوقف الهجمات الجوية الإسرائيلية على غزة، معتبراً أن المجتمع المدني في غزة هو الضحية الأولى لهذا الصراع.
من جهته، دان اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، في بيان أصدره في 12 تموز/يوليو، الاعتداء الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، الذي أسفر "عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، وألحق دماراً هائلاً ." وأعرب عن وقوفه " إلى جانب شباب وشعب فلسطين، في صمودهم ووحدتهم ضد الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية"، داعياً الشعوب المناهضة للإمبريالية في جميع أنحاء العالم إلى العمل على " وقف الإعتداء الإسرائيلي الحالي على غزة."