خياران صعبان لإسرائيل في الأسبوع الثالث من الحرب على غزة: توسيع العملية البرية، أو وقف نار من دون حسم
التاريخ: 
01/08/2014
المؤلف: 

مع دخول المواجهات العسكرية بين إسرائيل وحركة "حماس" والجهاد الإسلامي أسبوعها الثالث، شهد مطلع هذا الأسبوع تصعيداً كبيراً في هجمات "حماس" على الجيش الإسرائيلي بلغت ذروتها يوم الاثنين الواقع فيه 28/7/2014، والذي تحول إلى اليوم الأكثر دموية بالنسبة إلى هذا الجيش منذ بدء العدوان على غزة. ففي هذا اليوم خسر الجيش عشرة من جنوده: خمسة قتلوا في عملية تسلل قام بها مقاتلو "حماس" عبر أحد الأنفاق بالقرب من كيبوتس ناحل عوز، وأربعة سقطوا جراء قذيفة مدفعية من عيار 120 مليمتراً استهدفت نقطة تجمع للجنود بالقرب من السياج الحدودي قبل انطلاقهم إلى غزة، إلى جانب مقتل مهندس في الجيش بصاروخ مضاد للدروع أصاب الجرافة التي كان على متنها داخل القطاع، وهو ما رفع خسائر الجيش في عملية "الجرف الصامد" إلى 53 قتيلاً.

حصيلة هذا "اليوم الدموي" وضعت الثلاثي الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون ورئيس هيئة الأركان بِني غانتس الذي يقود العمليات العسكرية، أمام معضلة حقيقية؛ إمّا الرد بقسوة على ما جرى من خلال توسيع العملية البرية التي لا تزال حتى اليوم محدودة ومحصورة في شريط ضيق لا يتجاوز عرضه بضعة كيلومترات، ويمتد على طول السياج الحدودي من القطاع ويشكل نوعاً من منطقة أمنية تنطلق منه القوات الإسرائيلية لتدمير الأنفاق الهجومية لحركة "حماس" والقضاء على مطلقي الصواريخ، وإمّا الاستمرار في العملية المحدودة في إطارها الحالي مع البحث عن سبل سياسية لإنهاء المواجهات، الأمر الذي يبدو اليوم صعباً في ظل عجز الجيش الإسرائيلي عن كسر صمود "حماس" ومواصلة قصفها إسرائيل وعمليات التسلل النوعي، وعدم إظهارها أي مؤشرات تدل على الضعف أو التراجع.

الجيش الإسرائيلي وتحدي معركة الأنفاق الهجومية

من أبرز إنجازات "حماس" في المواجهات الأخيرة هو حرب الأنفاق الهجومية التي فرضتها على إسرائيل. فقد تحولت الأنفاق في المواجهات الأخيرة إلى تحدٍ حقيقي بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي الذي لم يعطها اهتماماً خاصاً، ولم ينتبه إلى خطورتها وكيفية التصدي لها. كما عكست مشكلة الأنفاق تقصير الأجهزة الاستخباراتية في التحذير مسبقاً من هذه الشبكة وعدم امتلاكها معلومات دقيقة وحديثة عنها، وعن أماكن وجودها وتفرعها، على الرغم من أن حفرها تطلب مئات الساعات واحتاج إلى جهود بشرية كبيرة، والغريب أن هذا كله جرى من دون معرفة هذه الأجهزة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قصرت القيادة السياسية طوال الفترة التي أعقبت عملية "عمود سحاب"  في عدم منح الاهتمام الكافي لإعادة "حماس" بناء البنية التحتية لقوتها العسكرية في غزة، وتوجيه الاهتمام  والأولوية بدلاً من ذلك إلى خطر البرنامج النووي الإيراني الذي جعل منه نتنياهو خطراً وجودياً على إسرائيل.

كشفت معركة الأنفاق أن حركة "حماس" استوعبت جيداً دروس العمليات العسكرية الإسرائيلية السابقة، وكيف حاولت مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي من خلال بناء بنية تحتية لقواتها العسكرية، ومن خلال إنشاء قيادة عسكرية تحت الأرض استطاعت المحافظة على تماسكها وعلى أدائها العسكري رغماً من القصف الإسرائيلي الجوي العنيف في الأسبوعين الأولين للمواجهات، وهو ما أقنع إسرائيل بصعوبة إخضاع "حماس" عبر القصف الجوي واضطرارها، بعد تردد، إلى اتخاذ قرار العملية البرية لمواجهة خطر الأنفاق الهجومية.

كان لشبكة الأنفاق التي بنتها "حماس" دوران أساسيان في المعركة الدائرة: دور عسكري منح مقاتلي الحركة القدرة على القيام بعمليات تسلل ناجحة إلى داخل الأراضي الإسرائيلية وتكبيد الجيش خسائر مؤلمة، ودور نفسي يكمن في زعزعة أمن سكان المستوطنات المتاخمة لقطاع غزة من خلال إشعارهم بأنهم يعيشون فوق خطر داهم يمكن أن ينفجر في وجههم في أي وقت.

وهكذا تحولت مشكلة الأنفاق الهجومية وعملية تدميرها إلى هدف أساسي للعملية البرية التي شنها الجيش الإسرائيلي، إلى جانب الهدف الثاني الذي طرحه نتنياهو للعملية، وهو تجريد القطاع من السلاح. وعلى الرغم من مرور أكثر من أسبوع ونصف أسبوع على التوغل البري، فإن معلومات عسكرية إسرائيلية تشير إلى أنه جرى حتى الآن تدمير 20 نفقاً من أصل 30 تدميراً كاملاً، واستناداً إلى مسؤولين عسكريين فالجيش في حاجة إلى أسبوع أو أكثر لإتمام هذه المهمة. لكن بعد عملية التسلل الناجحة الأخيرة إلى مستوطنة ناحل عوز أصبح السؤال المطروح في إسرائيل هو: كيف يتم تحقيق هذا الهدف من دون توسيع العملية البرية.

انقسام حكومي بين مؤيدي توسيع العملية البرية ومعارضيها

 بعد الأحداث المتسارعة في مطلع هذا الأسبوع وسقوط الهدنة الإنسانية ومقتل عشرة جنود إسرائيليين، برز من جديد الانقسام الحاد داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن ضرورة الرد بعنف على "حماس" من خلال توسيع العملية البرية. واستناداً إلى تقارير إسرائيلية شهدت جلسة الحكومة يوم الاثنين (28/7/2014) نقاشاً حاداً بين مؤيدي توسيع العملية البرية ومعارضيها.

فقد أعرب الوزير نفتالي بينت، زعيم حزب البيت اليهودي، عن رفضه أي نقاش بشأن وقف النار من دون إخضاع "حماس". ودعا في تصريحاته يوم الثلاثاء (29/7/2014) إلى توسيع العملية البرية التي يجب أن يكون هدفها لا تدمير الأنفاق فقط، بل أيضاً "تجريد غزة من السلاح وجعلها مثل يهودا والسامرة [الضفة الغربية] من دون صواريخ"، مشدداً  على أن هذا لا يعني احتلال القطاع، بل "إقامة منطقة أمنية في الجهة الغربية من السياج مع غزة لمواصلة العمل على تدمير الأنفاق حتى لو استغرق ذلك شهراً أو سنة."

لكن في مقابل هذا الموقف لأحزاب اليمين في الائتلاف الحكومي، فإن  الثلاثي، نتنياهو- يعلون- غانتس، لا يزال ضد قرار توسيع العملية البرية في المرحلة الراهنة، وذلك على الرغم من طلب الجيش الإسرائيلي من سكان أحياء الشجاعية وجباليا والزيتون في القطاع مغادرة منازلهم. 

هذه الدعوة فسرها بعض المعلقين الإسرائيليين بأنها دليل على نية الحكومة توسيع العملية البرية. وهذا كان رأي المعلق في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل (28/7/2014). لكن في رأي المعلق السياسي في صحيفة "يسرائيل اليوم" يوآف ليمور (29/7/2014)، قد يكون الهدف من دعوة المدنيين إلى المغادرة هو الضغط النفسي على الفلسطينيين من سكان هذه الأحياء كي يطلبوا بدورهم من "حماس" وقف عملياتها.

هل لدى نتنياهو خطة سياسية لإنهاء الحرب على غزة؟

في اليوم الثاني والعشرين للحرب على غزة، يبدو واضحاً أن نتنياهو في سباق مع الوقت على الصعيدين الداخلي والخارجي. فداخلياً هو يحتاج إلى الخروج من الحرب الدائرة حالياً بإنجاز عسكري كبير يثبت  أنه حقق هدفي العملية البرية (تدمير الأنفاق وتجريد غزة من السلاح) من دون الاضطرار إلى التوغل داخل المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة، وكي يقنع اليمين الإسرائيلي بأن العملية نجحت وحققت الحسم العسكري الكاسح على"حماس". لكنه من جهة أُخرى بدأ يدرك أن فترة السماح الدولية التي مُنحها توشك على الانتهاء، وأن الشرعية الدولية لعملياته العسكرية آخذة في النفاد، وأن المجتمع الدولي سيطالبه بوقف عملياته في ظل الارتفاع المخيف في أعداد القتلى من الفلسطينيين. وأبرز المؤشرات الدالة على ذلك المحادثة الهاتفية الأخيرة الغاضبة، بحسب وصف الصحف الإسرائيلية، بين الرئيس أوباما ونتنياهو، ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة إسرائيل يوم الاثنين (28 تموز/يوليو) إلى وقف هجماتها على غزة.

من هنا يبرز سؤال هو: هل يملك نتنياهو خطة للخروج من الحرب؟ استناداً إلى السياسة التي انتهجها خلال الأسابيع الثلاثة لعملية "الجرف الصامد"، والتي اتسمت بصورة عامة بالحذر، وبعدم التسرع في القيام بخطوات عسكرية خطرة، وباستخدام أسلوب رفع وتيرة التصعيد بالتدريج، وباستخدام معادلة "هدوء في مقابل هدوء" التي استبدلها لاحقاً بمعادلة "هدوء في مقابل إعادة إعمار"، ومع الدعم الذي تحظى به هذه السياسة في وزارة الدفاع وقيادة الأركان، فإن من المرجح أن يلجأ نتنياهو إلى أسلوب هو مزيج من العمليات البرية المحدودة وبالتدريج، تستهدف مناطق جديدة في القطاع لتدمير الأنفاق وتوجيه ضربة قاسمة إلى الجناح العسكري لـ"حماس"؛ وفي الوقت نفسه فتح الباب أمام مبادرات دولية إلى وقف النار، شرط أن يتضمن أي اتفاق على وقف النار ضمان حرية حركة القوات الإسرائيلية داخل منطقة وجودها داخل القطاع، لمواصلة تدمير الأنفاق وتجريد غزة من سلاحها الصاروخي، وذلك في مقابل رفع الحصار بالتدريج عن القطاع، وإعادة إعمار ما هدمته آلة الحرب الإسرائيلية بالتعاون مع المجتمع الدولي والدول العربية المعتدلة.

وهذه شروط من الصعب فرضها في الوضع العسكري الحالي، أي في ظل عجز الجيش الإسرائيلي عن حسم المعركة ضد "حماس"،  وفي ضوء القدرة التي أثبتتها الحركة على الصمود ومواصلة القصف وعمليات التسلل. ففي رأي أكثر من خبير استراتيجي بينهم عاموس يادلين، فإن وقف النار في الأوضاع الحالية هو بمثابة "تعادل استراتيجي في معركة غير متكافئة"، وأن إنهاء القتال في ظل هذا التعادل من دون حسم، أو من دون توجيه ضربة قاسمة إلى "حماس" سيكون له انعكاساته السلبية على الجيش الإسرائيلي. وينصح يادلين، في مقال نشره في 25/7/2014 للقادة الإسرائيليين ضرورة مراجعة الفرضية الأساسية التي انطلقت منها العملية، أي ضرب "حماس"عسكرياً وإضعافها سياسياً من دون إسقاط سلطتها على القطاع. ففي رأيه أن أي حل سياسي مستقبلي يجب أن يستند إلى إعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع بمساعدة مصر ودول عربية معتدلة والمجتمع الدولي وبرفع الحصار عن غزة بالتدريج.

المأزق الإسرائيلي

 في اليوم الثاني والعشرين للمعارك في غزة هناك عدد من الوقائع الثابتة التي لا يمكن تجاهلها، أهمها: حركة "حماس" لم تستسلم على الرغم من الخسائر البشرية المؤلمة والدمار اللذين لحقا بسكان القطاع ومدنه وأحيائه؛ عدد القتلى في الجيش الإسرائيلي في ارتفاع؛ المأزق الداخلي والخارجي الذي تعانيه حكومة نتنياهو يزداد حدة في غياب الحسم العسكري وعدم ظهور مبادرات وساطة حقيقية مقبولة من الطرفين يمكن أن تشكل مدخلاً لإنهاء المواجهات العسكرية.                                        

عن المؤلف: 

رندة حيدر: محررة النشرة اليومية، "مختارات من الصحف العبرية"، التي تصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت.