وتحت هذا العنوان، عُقد في بيروت يوم السبت في 13 كانون الأول/ديسمبر 2014 ندوة متخصصة، دعت إليها مؤسسة الدراسات الفلسطينية، شارك فيها عدد من الباحثين المتخصصين، كان بينهم: الدكتور محمد مصطفى، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الاقتصاد في الحكومة الفلسطينية الحالية (الذي قرأ ورقته بالنيابة عنه المدير العام للمؤسسة محمود سويد)، والخبراء العرب بشؤون النفط الدكتور وليد خدوري، والدكتور إبراهيم زهران، والدكتور مروان إسكندر، ومستشار لجنة الطاقة في البرلمان اللبناني ربيع ياغي، وعضو مجلس هيئة إدارة قطاع البترول اللبنانية وسام الذهبي. وقد ألقى كلمة الافتتاح الدكتور طارق متري، رئيس مجلس الأمناء في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، شكر فيها السيد عبد الله يبرودي على منحته الكريمة عن روح والده المرحوم حسن يبرودي التي قدمها لإنجاز هذه الندوة.
وفيما يلي أبرز الأفكار المستخلصة من بعض الأوراق التي قدمت خلال جلسات هذه الندوة.
فلسطين: تعاني فلسطين شحاً كبيراً في الموارد الطبيعية نتيجة سعي إسرائيل المتواصل للسيطرة على المياه والنفط والبوتاس المختزنة في أراضيها، من جهة، واعتماد فلسطين الكبير على الواردات من إسرائيل في مجالي النفط والغاز (بقيمة مليار ونصف مليار دولار سنوياً)، من جهة أخرى.
منذ العام 1999، تمّ اكتشاف حقلي غاز قرابة شواطئ قطاع غزة، تبلغ القيمة الإجمالية لاحتياطيهما ما بين 6 و 8 مليارات دولار، وكان من المقدر أن يبدأ ضخ الغاز منهما في سنة 2018، إلا أن إسرائيل تعرقل تطوير المشروع. إن غاز غزة يمكنه أن يضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، فمنافع المشروع الاقتصادية قد تبلغ 2 مليار دولار. واستهلاك الغاز المحلي، الذي يزداد 6 في المئة سنوياً، سيوفر على ميزانية الحكومة مليار دولار قيمة استيراد الوقود من إسرائيل. كما أن استخدام الغاز في إنتاج الكهرباء سيخفف من التبعية لإسرائيل؛ ففلسطين تستورد الكهرباء من إسرائيل بمبلغ يصل إلى 700 مليون دولار في السنة.
ان سياسة الحصار الاسرائيلية لقطاع غزة، هي محاولة مباشرة منها لمنع تطوير حقلي غزة، الأمر الذي يمنع السلطة الفلسطينية من تطوير مورد طاقوي مهم يزودها بالغاز لتوليد الكهرباء للقطاع، مما يوفر لها إمكانية الحصول على الطاقة مباشرة من حقلين يعودان لها، بدلاً من استيراد الوقود من إسرائيل.
في قرية رنتيس الواقعة على حدود الخط الأخضر، اكتشف حقل نفطي يقوم الإسرائيليون باستخراج النفط منه، علماً أن الجزء الأكبر من مخزونه يقع داخل الضفة الغربية. كما هناك تقديرات بوجود موارد للطاقة في منطقة الأغوار والبحر الميت. ولكن لا توجد إمكانيات فعلية لدى السلطة الوطنية الفلسطينية للقيام بعمليات الاستكشاف.
إسرائيل: بدأت عمليات التنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط في سنة 1999-2000، في المياه الجنوبية قبالة شواطئ غزة، حيث تمّ اكتشاف خمسة حقول صغيرة. ثم راحت عمليات التنقيب تتجه شمالاً، فاكتشفت ما بين عامَي 2000 و 2013 خمسة حقول للغاز صغيرة، أهمل العمل فيها حالياً لأسباب مالية، وحقلان كبيران هما: حقل تامار الواقع قبالة مدينة حيفا، وحقل ليفايثان الواقع بالقرب من جزيرة قبرص. وقد اكتشفت هذه الحقول بالتعاون بين إسرائيل وشركة نوبل إنرجي الأميركية. ويبدو أن احتياطات هذين الحقلين الكبيرين تضمنان فرصاً للاستهلاك المحلي والتصدير في آن معاً، وتدخلان إسرائيل في صناعة الطاقة الإقليمية. وقد أقر الكنيست الإسرائيلي تشريعاً لا يسمح بتصدير أكثر من 40 في المئة من احتياطي إسرائيل من الغاز. وقد تحولت كل محطات الكهرباء في إسرائيل إلى الغاز، باستثناء محطة واحدة ما زالت تعتمد على الفحم الحجري. كما بدأت إسرائيل التنقيب عن النفط الصخري.
وقد بدأ الإنتاج في حقل تامار في آذار/مارس 2014، وطرحت إمكانات عديدة للتصدير عن طريق التسييل إلى أوروبا، أو عن طريق الأنابيب، واقترح نائب الرئيس الأميركي جو بايدن مد أنبوب يربط ما بين مصر وإسرائيل وقبرص وتركيا واليونان ليصل إلى بلدان أوروبا.
لقد وقعت إسرائيل، التي تسعى إلى غزو سوق الطاقة العربي، مذكرات تفاهم مؤقتة مع فلسطين والأردن ومصر، وكانت أول مذكرة تفاهم وقعتها، في كانون الثاني/يناير 2014 مع شركة كهرباء فلسطين لشراء 168 مليار قدم مكعب من الغاز على مدى 20 سنة من حقل ليفايثان بقيمة 1.2 مليار دولار ، وذلك بهدف تزويد محطة كهرباء جنين التي تنوي الشركة الفلسطينية تشييدها في مدينة جنين في الضفة الغربية. ويشكل هذا الاتفاق أول عقد لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى سوق عربية. ومن الملفت للنظر أن تصدير الغاز إلى الضفة الغربية قد اعتبر جزءاً من حصة تزويد السوق المحلية الإسرائيلية لمدة عقدين من الزمن، وليس من حصة الصادرات للأسواق الدولية.
وكانت إسرائيل قد رفضت تزويد محطة كهرباء فلسطين بإمدادات غاز عربية.
مصر: تحوّلت، نتيجة الفساد الذي استشرى في دوائر صنع القرار في الأساس، من بلد مصدّر للغاز إلى بلد مستورد له.
في سنة 1967، تمّ اكتشاف أول حقل غاز، هو حقل أبو ماضي، في الدلتا بواسطة شركة مصرية-إيطالية، وأقيمت عدة محطات لتوليد الكهرباء. ثم اكتشف، سنة 1969، حقل أبو قير البحري في مياه المتوسط، وسلّم لإدارة الهيئة الوطنية المصرية للطاقة، وأقيم مصنع للأسمدة وعدة محطات لتوليد الكهرباء. وفي سنة 1971، اكتشف حقل ثالث في الصحراء الغربية هو حقل أبي الغراديق، ثم توالت الاكتشافات.
ثم حصلت انطلاقة في استكشاف الغاز في مياه البحر الأبيض المتوسط، حيث اكتشف عدد كبير من الحقول، لكن احتياطي معظمها محدود جداً. وأقيم مصنعان لإسالة الغاز واحد بمنطقة دمياط، بقيمة 1مليار و 300 مليون دولار، والثاني بمنطقة رشيد، بقيمة حوالي ملياري دولار. وبدلاً من توظيف الغاز المستكشف في التنمية الداخلية، قام وزير الطاقة في سنة 2000 بتوقيع 16 عقداً لتصدير الغاز، وتورطت الهيئة المصرية بالتصدير نتيجة الفساد، فصارت تصدّر الغاز إلى إسرائيل بمبلغ زهيد جداً. وفي سنة 2014، أصبح الاستهلاك المحلي أعلى كثيراً من حجم الإنتاج، اذ تعتمد الأغلبية الساحقة من محطات الكهرباء على الغاز، كما يستعمل الغاز في بعض قطاعات المواصلات العامة، هذا ناهيك عن استعمال الغاز في مصانع البتروكيماويات.
وهذه هي المشكلة التي تعاني منها مصر حالياً، والتي تسببت بانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة عن القاهرة ومدن أخرى. فقد ولجت مصر بسرعة للتصدير دون إعارة اهتمام كاف لنمو الطلب المحلي. والتحدي الذي تواجهه مصر اليوم ليس بالسهل: فمن ناحية، هناك الحاجة لاكتشاف حقول جديدة، بالذات في المياه العميقة، لكن الشركات العالمية تواجه مصر بمطالب متشددة كتوقيع عقود أكثر تساهلاً من العقود السابقة، كما تواجه مصر، من ناحية أخرى، منافسة شديدة في مجال استكشاف حقول الغاز في شرق البحر المتوسط من قبل إسرائيل و قبرص و حتى اليونان، التي تحاول انتهاك معايير اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 والتي شاركت مصر في صياغاتها وانضمت إليها .
لبنان: هناك حوض غاز مشترك في مياه البحر الأبيض المتوسط تتشارك فيه سورية ولبنان وإسرائيل-فلسطين، وتطل عليه قبرص وتركيا ومصر. يضم هذا الحقل 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وكميات كبيرة من النفط السائل. وهي كميات تكفي الاستهلاك المحلي لدول المنطقة ما بين 45 إلى 50 سنة.
في سنة 2007، وقع لبنان اتفاقاً غير مبرم للآن مع قبرص لاقتسام الحدود البحرية بين البلدين على قاعدة الاتفاق على خط وسطي. لكن قبرص وقعت في سنة 2010 اتفاقاً مبرماً مع إسرائيل حددت بموجبه معها الخط الوسطي لحدودهما دون العودة إلى البند الثالث من الاتفاق مع لبنان، الذي ينص على ضرورة التشاور مع لبنان قبل الاتفاق مع طرف ثالث. وهكذا، ضاعت على لبنان منطقة غنية بالغاز تقدر مساحتها بـ 863 كيلومتراً مربعاً.
أعلن وزير الطاقة اللبناني السابق، جبران باسيل ، في ربيع عام 2013 "أن إسرائيل قد اكتشفت حقلاً جديداً للغاز، حقل كاريش، يبعد نحو 4 كيلومترات عن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية "، وهو ما يمكّن إسرائيل من الوصول إلى النفط أو الغاز اللبناني.
رغم التحديات التي تواجه لبنان في رسم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة جنوباً (إسرائيل) وشمالاً (سورية) وشرقاً (قبرص)، فإن العائق الرئيس هو المناكفات والنزاعات السياسية الداخلية، ناهيك عن صراع المصالح ما بين السياسيين، الأمر الذي خلق استياء واسع النطاق عند الرأي العام اللبناني، الذي يتطلع إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، خصوصاً وأن استيراد المحروقات يكلف خزينته أكثر من 7 مليارات دولار سنوياً.
قبرص: تكمن مشكلتها في محاولة تركيا الضغط على عمليات الاستكشاف القبرصية من خلال احتلالها عام 1974 للجزء الشمالي من الجزيرة وتبنيها حق الدفاع عن حقوق القبارصة الأتراك. ومارست تركيا ضغوطاً على الدول المجاورة لعدم رسم الحدود مع قبرص، بحجة أن هذه تتعدى على مياهها وعلى حقوق الأقلية التركية في قبرص. كما ضغطت تركيا على الشركات النفطية الدولية العاملة في المياه القبرصية، وهددت بمنع عملها في تركيا. لكن رغم كل هذه الضغوط التركية، تستمر قبرص في برنامجها الاستكشافي.
وفي 2 تشرين الأول/أكتوبر 2014 تطرق نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في كلمة له في جامعة هارفرد، إلى ثلاثة متغيرات أساسية في شرق المتوسط. تتمحور حول قيام حلف طاقوي إقليمي جديد يشمل مصر وإسرائيل وقبرص وتركيا واليونان لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تشييد أنابيب إلى تركيا واليونان ومن هناك إلى دول السوق الأوروبية. ثم التوصل إلى حل للمشكلة القبرصية من خلال توحيد الجزيرة على أساس إدارتين ومنطقتين منفصلتين (يونانية وتركية). واعتبر بايدن أن إيصال الغاز الشرق المتوسطي إلى أوروبا هو جزء من محاولة فك اعتماد أوروبا تدريجياً عن الغاز الروسي.
من الواضح، أن اقتراح بايدن يطمح إلى خلق محور إقليمي جديد تشترك فيه مصر، لكن بدون مشاركة أي دولة عربية أخرى.
وقد شارك في مناقشة الأوراق المقدمة عدد من الخبراء، وأوضح سفير قبرص في لبنان، الذي حضر الندوة، وجهة نظر بلده في نقاط الخلاف مع لبنان، من جهة، ومع تركيا، من جهة أخرى، وفي الاتفاق الذي عقدته قبرص مع إسرائيل، ومدى تأثيره على ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.