استكمالاً لمؤتمر سابق عقد بالشراكة بين مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومركز مدى الكرمل، عقدت المؤسستان مؤتمراً ثانياً عالج الاستشراف المستقبلي لدور فلسطينيي 1948 ومكانتهم في المشروع الوطني الفلسطيني. شكّل هذا المؤتمر نقلة في التوجه، وعبّرت المشاركات فيه عن اهتمام واضح بالموضوع المطروح الذي جرت معالجته من عدة جوانب شملت السياسي والثقافي والقانوني والاجتماعي. وكان المؤتمر الأول الذي عقد في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 تحت عنوان "الحركة الوطنية الفلسطينية والفلسطينيون في إسرائيل" قد عالج القضايا التاريخية لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني.
تواصل المؤتمر على مدار ثلاثة أيام 7، 8، 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، عُقد اليومان الأوليان في حرم جامعة بير زيت وعقد اليوم الثالث في مدينة الناصرة. تألّف من ثماني جلسات (سبع منها في جامعة بير زيت). وقام بالتحضير له طاقم مشترك من المؤسستين، إذ تشكّلت لجنة المؤتمر من كل من: امطانس شحادة وإيناس عودة- حاج وعميد صعابنة ومهند مصطفى ونديم روحانا من مركز مدى الكرمل؛ وخالد فراج وسالي أبو بكر وعلاء جرادات وكارول خوري ومجدي المالكي ومنير فخر الدين من مؤسسة الدراسات الفلسطينية – مكتب رام الله؛ وساعدهم في ذلك طاقم فني ضمّ: ألين عاقلة وربيع فاهوم وروبين جونز وزينة عريقات وفؤاد العكليك ومحمد الخالدي ومنال رفاعي وياسمين سبع. وساهم في دعم المؤتمر كل من مؤسسة هنريش بول الألمانية ومجموعة الاتصالات الفلسطينية.
أثار المؤتمر أفكاراً وتوجهات جديدة مستندًا إلى دراسات أكاديمية علمية وإلى تجارب عملية، وشارك جمهور كبير ومتنوع من الحضور في النقاش. وكانت المداخلات النقاشية على مستوى نوعي رفيع.
اليوم الأول 7 تشرين الأول/نوفمبر
بدأت وقائع اليوم الأول للمؤتمر بجلسة افتتاح، ثم تركّزت على أربع جلسات، توزّعت كالتالي: الأولى، الحركة الوطنية الفلسطينية وفلسطينيو 48: التصورات والديناميكيات التاريخية؛ والثانية، تجربة القائمة المشتركة: نموذج للعمل المشترك؛ والثالثة، الرأي العام الفلسطيني حول دور فلسطينيي 48 ومكانتهم في المشروع الوطني الفلسطيني؛ والرابعة، التصورات المستقبلية والتحديات القانونية والسياسية.
الافتتاح والفقرة الأولى
افتتح د. مجدي المالكي، عميد كلية الآداب في جامعة بيرزيت وعضو لجنة الأبحاث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، المؤتمر بتقديم عام حول أهداف المؤتمر، وجلساته، وأهمية عقده في الأوضاع السياسية الحالية، وما ينتج عنه من بدائل وحلول.
رحّب بعدها الدكتور غسان الخطيب، نائب رئيس الجامعة لشؤون التنمية والاتصال، بالحضور وأوضح مدى العلاقة التكاملية بين مؤسسة الدراسات الفلسطينية والجامعة مشيدًا بالدور التاريخي للمؤسسة في نشر المعرفة العلمية عن القضية الفلسطينية، ثم بيّن دور جامعة بير زيت كموطن أصلي للمؤتمرات العلمية.
ثم تكلّم البروفيسور نديم روحانا، مدير مركز مدى الكرمل، وشكر مؤسسة الدراسات الفلسطينية وطاقم العمل الذي حضّر للمؤتمر سواء من مؤسسة الدراسات أو من مركز مدى الكرمل، وبيّن أن المؤتمر يعتمد على دراسات معدة. وهو تتمة لمؤتمر سابق عالج شؤون التاريخ لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني، فيما يعالج هذا المؤتمر الرؤى المستقبلية لهم.
وقال روحانا إن هدف المؤتمر هو صوغ تفكير مقاومة جديد، إذ إن أزمة فلسطينيي 48 جزء من أزمة الشعب الفلسطيني، لذا يجب هنا العودة إلى الشعب، وانخراطه كاملاً في هذا المشروع كمشروع تحررّي جديد للشعب الفلسطيني.
ثم تكلّمت مديرة مؤسسة هنريش بول، بنيتا ماركس، وعبّرت عن فخر مؤسستها بالشراكة مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومركز مدى الكرمل، وبيّنت أنها شخصيًا كانت تتابع ما يعانيه الشعب الفلسطيني من خلال عملها السابق كصحافية.
وتكلّم البروفيسور خليل هندي، رئيس لجنة الأبحاث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، معبّرًا عن اعتزاز المؤسسة بالتعاون مع مدى الكرمل، ودعا منتديات التفكير في فلسطين إلى مزيد من التشبيك وخصوصًا بين مؤسسات فلسطينيي 48 وباقي المناطق، منوّها إلى وجوب الاستفادة من تجربة فلسطينيي 48 في استراتيجيات البقاء مع احترام التنوع ضمن إطار الوحدة.
ثم حدّد د. مهند مصطفى، منسّق المؤتمر، أهداف المؤتمر وضرورة تحديد مفهوم للمشروع الوطني الفلسطيني أمام التحدّيات القائمة من مشروع صهيوني واضح في ظل غياب الوضوح عن المشروع الوطني الفلسطيني.
الجلسة الأولى: الحركة الوطنية الفلسطينية وفلسطينيو 48: التصورات والديناميكيات التاريخية
ترأس روحانا الجلسة الأولى التي تحدث فيها كل من د. ماهر الشريف ود. جميل هلال ود. مصطفى كبها والأستاذة هنيدة غانم وعقّب عليهم البروفسور رشيد الخالدي.
بيّن ماهر الشريف أن اهتمام منظمة التحرير الفلسطينية بفلسطينيي 48 جاء متأخرًا وخصوصًا بعد يوم الأرض، واكتشفت المنظمة طاقات هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، لكنّها تعاملت معه بمنطق تعزيز قوى السلام اليهودية، ثم بيّن أن دور فلسطينيي 48 يبرز الآن باعتباره دورًا مستقبليًا بعد أن شغل الشتات دورًا قياديًا كما شغلت الأرض المحتلة دورًا آخر في الحقب السابقة. أما جميل هلال فقد ركّز على البعد الثقافي كجزء أساسي في إعادة صوغ الحقل السياسي الفلسطيني المتفكك، باعتباره رافعة استنهاض للمشروع الوطني يؤدي فيه فلسطينيو 48 دورًا متميزًا في الحفاظ على الرواية التاريخية الفلسطينية داعيًا إلى اتحادات شعبية عابرة للتجمعات الفلسطينية كبداية. وقدّمت هنيدة غانم ورقة ركّزت على عملية بناء الخصوصية لفلسطينيي 48 وأشكال تجلّيها المؤسّسي. وعقدت مقارنة بين السلوك الشعبي والسلوك المؤسسي؛ ثم عرض مصطفى كبها ورقة عن مساهمة فلسطينيي 48 في صوغ الحركة الوطنية مبيّنًا أن التواصل لم يجرِ بعد 67، إنما جرى قبل ذلك.
في نهاية الجلسة عقّب البروفيسور رشيد الخالدي على المتحدثين مركّزًا على ضرورة التعامل مع الشعب الفلسطيني كوحدة واحدة في الوطن والشتات، مشيدًا بعمق الأوراق المقدمة.
الجلسة الثانية: تجربة القائمة المشتركة: نموذج للعمل المشترك
تركّزت الجلسة حول تشكيل القائمة العربية المشتركة وترأسها البروفيسور خليل الهندي وتحدث فيها كل من: د. رائف زريق ود. أمل جمال وعقّب عليهما د. عوض عبد الفتاح. ركّزت ورقة رائف زريق على مخاطر يجب الحذر منها في عمل القائمة المشتركة، أهمها نواة الاختلاف السياسي، أو تفكّك القائمة جراء عدم التنسيق، مبيّنًا أن الخلاف هنا ليس على أرضية المشروع الوطني بل على أرضية التمثيل في الكنيست، وأن القائمة لا تعيد إنتاج الذات الفلسطينية في الداخل. أما أمل جمال فتحدث عن دوافع تشكيل القائمة باعتبار أنها جاءت حاجة موضوعية لاستمرار
البقاء السياسي لفلسطينيي 48، وعدّها فرصة لكنها ليست نهاية المطاف، إذ يحتاج المستوى السياسي إلى العمل الجماهيري المشترك وتطوير آليات عمل جديدة.
عقّب عوض عبد الفتاح على الورقتين مبيّنًا أنهما تعطيان صورة متشائمة، واعتبر أن تشكيل هيئة المتابعة إنجاز لفلسطينيي 48، وإن كان ذلك غير كافٍ. ورأى أنه من المبكّر الحكم على التجربة في بواكيرها.
الجلسة الثالثة: الرأي العام الفلسطيني حول الدور والمكانة
ترأس الجلسة د. منير فخر الدين، وقدّم أ. امطانس شحادة عرضاً لنتائج استطلاع رأي حول دور فلسطينيي 48 ومكانتهم في المشروع الوطني الفلسطيني، أجراه وعميد صعابنة من مدى الكرمل. شمل الاستطلاع عيّنة من كل من فلسطينيي 48 وفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة وتركّزت أسئلته على قياس المواقف المتنوعة تجاه دور فلسطينيي 48 في المشروع الوطني الفلسطيني، وعقّب على الاستطلاع كل من د. غادة المدبوح ود. أسعد غانم. إذ أوضحت المدبوح أن الاستطلاع مهمّ ويحتاج إلى تعمّق في دراسة مؤشراته وركّزت على ضرورة التفريق بين المتخيل والواقعي في الأسئلة وربط العلاقة بينهما لاستخلاص النتائج؛ أما أسعد غانم، فأكّد على أهمية المؤتمر، مبيّنًا أن نتائج الاستطلاع تحتاج إلى قراءة أعمق عن طريق فهم السياق السياسي لهذا الاستطلاع.
الجلسة الرابعة: التصورات المستقبلية والتحدّيات القانونية والسياسية
ترأس الجلسة د. مهند مصطفى، وقدّم د. أشرف بدر ورقته المتعلقة بدلالات ردّات الفعل الفلسطينية على قانون القومية الإسرائيلي مستعرضًا أكثر من ردة فعل ومحللاً هذه الردّات في ضوء التوجهات السياسية الفلسطينية المتعددة؛ ثم قدّم د. جبريل محمد ورقة بشأن تصورات التيارات السياسية في منظمة التحرير والتيار الإسلامي لدور فلسطينيي 48 ومكانتهم، أوضح فيها غياب مثل هذه التصورات الواضحة وغياب البرامج الموثقة في هذا الموضوع حتى الآن.
اليوم الثاني 8 تشرين الثاني/نوفمبر
تركّزت وقائع جلسات اليوم الثاني للمؤتمر في ثلاث جلسات: كانت الأولى بعنوان المعوّقات الداخلية لتعزيز دور فلسطيني 48 في المشروع الوطني الفلسطيني؛ أما الثانية فكانت ندوة حول مواقف التيارات السياسية الفلسطينية ورؤيتها لمكانة ودور فلسطينيي 48 في المشروع الوطني الفلسطيني؛ فيما كانت الجلسة الثالثة عرضًا لتجارب تواصلية بين شباب من فلسطينيي 48 وشباب من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس؛ واختُتم اليوم بتلخيص قدّمه نائب رئيس جامعة بيرزيت للتنمية والتواصل، غسان الخطيب.
الجلسة الخامسة: المعوقات الداخلية لتعزيز الدور والمكانة
أدار الجلسة أ. سامي محاجنة، فيما قدّم البروفيسور مروان دويري ورقة تتعلق بالمعوّقات في أنماط التفكير في السياق الفلسطيني الداخلي بعرض لسبعة نماذج سلوكية تتميز بها أنماط التفكير والمواجهة منها الحكم بالأبيض والأسود، وإلقاء الإخفاقات على العوامل الخارجية، وتغليب القومي على الاجتماعي والهوية على المرجعية الأخلاقية والتعامل مع الثوابت كأصنام وغيرها من الأنماط؛ في حين عرضت د. تغريد يحيى - يونس بعض التحديات الداخلية أمام المشروع الوطني الفلسطيني، منذ نشأة ظروف ولادة فلسطينيي 48 مع ما جرى من تغيرات اقتصادية واجتماعية وترابط ذلك مع النسيج الاجتماعي والدور الإسرائيلي وتأثير الأُطر السياسية. وقدم أ. أيمن اغبارية ورقة بعنوان التربية الفلسطينية الجديدة وضرورة الفقدان، ركّز فيها على دور النظام التعليمي الإسرائيلي الموجّه إلى العرب في محو الهوية الفلسطينية، وضعف المناهج والمعرفة التي تقدمها أُطر المجتمع المدني كبديل، في حين ركّز على أن الانكفاء على الخصوصية هو نوع من القبول بواقع تجزئة الشعب الفلسطيني، ودعا إلى مشروع ثقافي فلسطيني متكامل وغير محدد بخصوصيات، إضافة إلى جعل اللغة العربية مركزية.
عقّب على الورقة د. منير فخر الدين، وأشار إلى الحذر من الإفراط في الخصوصية من جهة وبالتعميم من جهة أُخرى في تناول الحالة الفلسطينية أو العربية، ودعا إلى منهج مقارن مع باقي المجتمعات المشابهة، وأكّد على أهمية الحيّز الثقافي الذي يخترق حدود المأسسة.
الجلسة السادسة: مواقف التيارات السياسية الفلسطينية ورؤيتها للدور والمكانة
أدار الجلسة أ. أنطوان شلحت وعقّب عليها عضو الكنيست الدكتور أحمد الطيبي. قدّم عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، أ. محمد اشتية، تصورات حركته عن هذا الدور وهذه المكانة مؤكّدًا أن فلسطينيي 48 لم يكونوا غائبين عن المشروع الوطني لا في السياسة ولا في التمثيل، في حين عرّف المشروع الوطني بأنه إنهاء الاحتلال وحق العودة وإقامة الدولة، وأضاف عليها حقوق المواطنة والمساواة لفلسطينيي 48، وبيّن أن مسيرة أوسلو شارفت على الانتهاء وهذا يعني مراجعة شاملة للأدوات، وخصوصًا بعد فشل التفاوض وأن ذلك يمكّن فلسطينيي 48 من المشاركة
في قيادة تشمل جميع مكوّنات الشعب الفلسطيني على المستوى التمثيلي؛ أما أ. قيس عبد الكريم، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية، فقد أكّد أن هناك حاجة إلى إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني وقدّمه على أساس "النضال من أجل تمكين الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرض وطنه" مع ربط ذلك بعملية تمرحل للوصول إلى الهدف والذي يمكن أن يكون دولة ديمقراطية موحّدة، فيما أكّد أن المطلوب حاليًا هو النضال من أجل حق العودة وإنهاء الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة مع ضمان حق المساواة لفلسطينيي 48، في إطار الاعتراف بهم كأقلية قوميّة أصلانيّة. من قطاع غزة قدّم القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أ. خالد البطش، مداخلة أكّد فيها انتهاء حل الدولتين وبّين أن القائمة الموحّدة تشكّل نموذجًا، فيما دعا إلى إعادة تعريف المشروع الوطني ليشمل فلسطينيي 48 على مستوى البرنامج والتمثيل في مؤسسات المنظمة والمؤسسات الشعبية الفلسطينية. ثم قدّم القيادي في حركة حماس أ. مصطفى الصوّاف، من القطاع أيضًا، مداخلة أكّدت أن الشعب الفلسطيني مربعٌ كل ضلعٍ فيه يمكن أن يشكّل القاعدة في مرحلة معينة وأن فلسطينيي 48 يجب أن يكونوا شركاء في اتخاذ القرار ورسم السياسة المستقبلية. وتكلّم أ. يعقوب عودة من مركز حقوق الإنسان في القدس مؤكدًا على وحدة مكوّنات الشعب الفلسطيني مستعرضًا أشكال الاتصال مع فلسطينيي 48 قبل الاحتلال وبعده، وأكّد ضرورة انخراط فلسطينيي 48 في القرار الوطني والمشروع الوطني الفلسطيني. أما أ. بسام الصالحي فحذّر من التسرّع في الإقرار بأن حل الدولتين انتهى، وأنه ليس من المفروض تعريف المشروع الوطني وتحديد مكانة لفلسطينيي الداخل فيه، بقدر أن المطلوب إعادة صوغ الخطاب الوطني الفلسطيني ضمن محور رفض يهودية الدولة وضمان الحقوق القومية والمدنية لفلسطيني 48 من دون إهمال مشاركتهم في العمل الوطني من موقعهم.
في تعقيبه على المتحدثين أكّد عضو الكنيست، أحمد الطيبي على خصوصية فلسطينيي 48 ورفض اعتبارهم مخزونًا عسكريًا، فيما أكّد أنهم جزء من الحركة الوطنية الفلسطينية من دون ضرورة وجود إطار تمثيلي يضمّهم، وقال: "لسنا في منظمة التحرير ولا نطلب ذلك"، فيما أكّد أن التواصل اليومي والمشترك يعوّض عن الأُطر التمثيلية العامة، ورفض تدخل أي أحد في شؤون فلسطينيي 48.
الجلسة الثالثة: تجارب مشتركة للجيل الجديد
عرضت أربع شابّات فلسطينيات من طرفي الخط الأخضر تجاربهن في التواصل المشترك. فقدّمت قمر طه من جمعية بلدنا في حيفا تجربة مشروع "متحركين" الذي ضمّ شبابًا من فلسطينيي 48 وفلسطينيي الضفة والقطاع والقدس، وعرضت الإنجازات والتحدّيات التي رافقت سير تطبيق المشروع. ثم قدّمت ميسان حمدان من حركة "ارفض شعبك بيحميك" تجربة الحركة في توعية الشباب بعدم الخدمة في جيش الاحتلال والنجاحات التي تحققت والصعوبات التي تواجه هذه الحركة. أما داليا المالكي فقدمت تجربة التواصل بين الطلبة الجامعيين من الضفة ومن مناطق 48 وعرضت تجارب ناجحة لمشاريع مشتركة، فيما انتقدت عدم اهتمام إدارات الجامعات بهذا التوجه. ثم عرضت شهد ياسين تجربة برنامج التواصل الشبابي الذي يديره اتحاد لجان العمل الصحي في مدينة القدس، وكيف استطاع البرنامج أن يوسع من دائرة تأثيره عبر الأنشطة التطوعية المتنوعة.
لاقت الجلسة ترحيبًا من الحضور ومن مدير الجلسة أ. علاء العزة، واستقطبت اهتمام الكثير من المعلّقين والمناقشين.
تلخيص يومي بير زيت:
في ختام اليوم قدّم د. غسان الخطيب تلخيصًا لأعمال المؤتمر في يوميه الأولين، وأكّد أن هناك تزايدًا ملحوظًا في دور فلسطينيي 48 في الحياة السياسية الفلسطينية، وأن صعوبات حل الدولتين تفرض ضرورة البحث عن بدائل مناسبة لانخراط فلسطينيي 48 في المشروع الوطني، وأن هناك شعورًا بضرورة مراجعة أُطر العمل السياسي وأن العلاقة بين مكوّنات الشعب تواجه تحديات جديّة في هذا المجال.
ثم بيّن أن هناك ازدهارًا للوطنية الفلسطينية في ظل التراجع المؤسسي وأن التعويض عن خلل الأداء السياسي يمكن أن يكون عبر بناء حركة ثقافية. وختم بأن المؤتمر نجح في إبراز الحاجة إلى مشروع وطني جديد وصوغ أُطر علاقات ملائمة لذلك مع الحاجة إلى مساهمة فلسطينيي 48 في تطوير هذا المشروع.
اليوم الثالث 9 تشرين الثاني/نوفمبر
في اليوم الثالث عقدت الجلسة الثامنة والأخيرة وتركزت حول مواقف التيارات السياسية الفلسطينية في الـ 48، ورؤيتها لمكانة ودور فلسطينيي 48 في المشروع الوطني الفلسطيني.
انطلقت الجلسة كندوة ابتدأها مهند مصطفى بتفحص مواقف الأحزاب والحركات السياسية في الداخل الفلسطيني من المشروع الوطني الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو بقراءة نقدية، ثم أشار إلى غياب مشروع وطني مشترك لهذه القوى، على الرغم من الالتقاء حول قضايا عدّة قدمت نموذجًا للتعاون، كلجنة المتابعة العليا لشؤون الفلسطينيين في الداخل و"القائمة المشتركة" التي خاضت انتخابات الكنيست، والتصدي للخطاب العنصري وغيره. وشارك في الندوة كل من الشيخ رائد صلاح والنائب يوسف جبارين، والنائب جمال زحالقة، والشيخ منصور عباس.
اعتبر رئيس "الحركة الإسلامية الشمالية"، الشيخ رائد صلاح، أنّ قوة تأثير الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 في المشروع الوطني الفلسطيني، تعتمد على تقوية وجودهم في الداخل، بإقامة استراتيجية واضحة وعملية. وأضاف أن الحركة الإسلامية تسعى لتمكين المجتمع والحفاظ على هويته وفقًا لرؤية إيمانية وطنية داعمة للقضايا الفلسطينية والعربية. مدللاً على ذلك بالدعوة إلى انتخاب مباشر للجنة المتابعة العليا للفلسطينيين في الداخل وتحسين دورها وإقامة صندوق قومي. ولا بد من الاتفاق على ميثاق وطني والاتفاق على الثوابت.
وقال إنّ "الداخل الفلسطيني هو صمّام أمان لحق العودة وحق المهجّرين"، وعرّج على أنّه لا بد من سعي فلسطينيي الداخل لتكامل اقتصادي ثقافي مدروس مع الضفة الغربية والقدس، ولعب دور لإنهاء الانقسام الفلسطيني، مختتمًا حديثه بأن هنالك حاجة إلى تفكير جديّ ومناقشة عملية ونقل نوعي لدور منظمة التحرير الفلسطينية نحو انتخاب مباشر من قبل الفلسطينيين، لتكون ممثلة لجميعهم، وبمشاركة فلسطينيي الداخل.
أمّا النائب يوسف جبارين، فلفت إلى أن "مسألة البقاء وحق تقرير المصير في المجال الثقافي والداخلي هما الأمران الأساسيان من وجهة نظرنا"، مستدركًا أن "ما يميّز الجبهة والحزب الشيوعي في النقاشات الفكرية، أننا نأخذ بعين الاعتبار إلى أي مدى يمكن ترجمتها بشكل عملي كجزء من المشروع الوطني الفلسطيني، وإلى أي مدى يمكن أن نستفيد من ذلك مقابل الضرر الذي يمكن أن تلحقه بالمشروع الوطني الفلسطيني".
وذكر أن موقف الجبهة والحزب الرافض للانتخابات المباشرة للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الأراضي المحتلة عام 1948، يستند إلى الحسابات المذكورة.
وأوضح النائب جمال زحالقة أن التجمع يرى نفسه جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية، وليس طرفًا خارجيًا، ولكن على قاعدة التكامل لا الوصاية. فهو يوافق القيادة الفلسطينية على ما يراه صوابًا ويقف ضدها فيما يراه خطأ كما في مؤتمر أنابوليس وكامب ديفيد ومؤتمر جنيف.
وأشار إلى أن رفض التجمع وقوى أُخرى لقضية التبادل السكاني وضم جزء من منطقة المثلث لمناطق السلطة الفلسطينية، ورفض الموقف الفلسطيني الذي منح إسرائيل حرية تعريف نفسها كدولة يهودية، أدى إلى تراجع القيادة الفلسطينية عن هذه المواقف.
وناشد التيارات الفلسطينية أن تتدخل في شؤون الداخل بعيدًا عن الوصاية والتبعية، وأن يتدخل الداخل بشؤونها، باعتباره تفاعل شعب واحد. وخلص زحالقة إلى أنّه "لا بد من التركيز على تعرية الصهيونية، وأن أهم ما يُستفاد من تجربة جنوب أفريقيا أن العنصرية والكولونيالية يجب أن تهدم لا أن تُهادن".
وقد لفت نائب رئيس "الحركة الإسلامية الجنوبية"، أ. منصور عباس، إلى أن "القراءة الواقعية للمعطيات على الأرض، تشير إلى أن إسرائيل يمكن أن تستمر لعشرات السنوات الأُخرى، فلا شيء يمنع ذلك في ظل الأوضاع الراهنة، وعليه لا يمكن تجاهل متطلبات حياتنا ومصالحنا وواقعنا كشعب، ولا بد من تحصيل ما أمكن من المصالح بغض النظر عن شرعية إسرائيل من عدمها".
وخلص عباس إلى أنه "لا بد أن نعمل سوية"، مثنيًا على تجربة "القائمة المشتركة"، ومُطالبًا بتعزيز لجنة المتابعة كإطار وحدوي يجمع فلسطينيي الداخل، "فبناء المؤسسات الوحدوية والنهج الديمقراطي بيننا في هذه المؤسسات، يمكن أن يؤثر على قرارات القيادة الفلسطينية".
وعقّب على الندوة كل من المؤرخ والباحث ماهر الشريف ومحمد بركة رئيس لجنة المتابعة. إذ أشار الشريف إلى أهمية المنظور الفلسطيني غير الفئوي وإلى أهمية تجربة القائمة المشتركة والروح المعنوية التي تبثّها بالشعب الفلسطيني عمومًا. وأكّد بركة أن بقاء الفلسطينيين في الداخل وصمودهم هو النقيض التام للمشروع الصهيوني، وأنهم مركّب مهم في المشروع الوطني الفلسطيني وفي استراتيجيات صموده وتحققه.