مخيم اليرموك: معاناة ودمار وأزمة مستعصية
التاريخ: 
13/06/2014
المؤلف: 

استقبلت سورية، بعد نكبة فلسطين، نحو 90 ألف لاجئ فلسطيني، توزعوا داخل المدن والمحافظات السورية على 15 مخيماً وتجمعاً فلسطينياً ، استقر معظمهم في مدينة دمشق التي ضمت سبعة مخيمات، إضافة إلى تجمع سكاني صغير هو تجمع الحسينية .

وتشير المعطيات المستقاة من وكالة الأونروا ومن الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سورية إلى أن  29% فقط من اللاجئين الفلسطينيين يقيمون داخل أحياء المدن السورية، بينما تقيم النسبة الأكبر، 71% ، داخل المخيمات، بما فيها ذلك مخيم اليرموك الواقع جنوب مدينة دمشق، والذي يمثل أكبر تجمع فلسطيني في الشتات ، ويضم بحدود 160000 لاجئ فلسطيني، علماً بأن هذا المخيم أصبح، منذ سنوات، جزءاً إداريًّا تابعاً لمحافظة دمشق .

اللاجئون الفلسطينيون والأزمة السورية

اتخذ الفلسطينيون في سورية موقفاً مبدئياً، منذ بداية الحراك الشعبي في شهر آذار/مارس 2011، يقوم على تبني الحياد، باعتبار الصراع شأناً داخلياً يخص الشعب السوري، الذي وقف مع اللاجئين الفلسطينيين في سورية موقفاً داعماً لقضيتهم الوطنية، ووفّر لهم كل وسائل العيش الكريم بمنحهم جميع الحقوق المدنية والاجتماعية التي يتمتع بها المواطنون السوريون أنفسهم.

وقد حافظ الفلسطينيون، وتنظيماتهم الوطنية، على موقف الحياد، ودعموا مبدأ الحوار الوطني كسبيل وحيد لحل الأزمة السورية، حتى بعد أن تحوّل الصراع في سورية من حراك شعبي سلمي إلى صراع مسلحٍ دامٍ، راحت تتدخل فيه قوى دولية وإقليمية وعربية عديدة. وكان موقف الفلسطينيين في سورية هذا منسجماً مع الموقف الرسمي الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية منذ بداية الأحداث المؤلمة في هذا البلد.

بيد أنه مع تطور الأحداث وتصاعدها، بدأت تظهر في بعض الأوساط الشبابية الفلسطينية مواقف مغايرة لهذا الموقف الرسمي الفلسطيني القائم على الحياد. فمن جهة، صار بعض الشباب الفلسطيني ينخرط في صفوف المعارضة، من خلال التنسيقيات أو حتى عبر المجموعات المسلحة، بينما راح آخرون يعلنون مواقف مؤيدة لسياسة النظام، ويعتبرون أن ما يجري ما هو سوى مؤامرة تستهدف دور سورية الوطني والداعم للمقاومة في المنطقة.

بيد أن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بقيت على موقفها بتحييد المخيمات الفلسطينية، وعدم الانزلاق في أتون الصراع، وحاولت في إطار" لقاء الفصائل الـ 14"، الذي يجمعها مع فصائل "التحالف الوطني الفلسطيني"، أن يحظى هذا الموقف بإجماع فلسطيني عام. كما لعبت دوراً مهماً على المستوى الإنساني والإغاثي، سواء في أوساط الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات الفلسطينية الأخرى، أو في أوساط المهجرين السوريين من المناطق المجاورة للمخيمات. وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن المخيمات الفلسطينية، من حلب شمالاً مروراً باللاذقية وحمص وحماة وصولاً إلى مخيمات دمشق وريفها، ولا سيما اليرموك وخان الشيح وجرمانا ودنون، قد شكّلت على مدار ما يقرب من العام ونصف العام، مراكز إيواء للمهجرين السوريين، الذين تجاوزت أعدادهم 200 ألف، وقام على رعايتهم المئات من الشباب المتطوعين. وهو ما كان محط تقدير من المهجرين، ومن طرفي الصراع، سواء الدولة ومؤسساتها أو المعارضة بمختلف تلاوينها.

مسلحو المعارضة يحتلون مخيم اليرموك

بدأت الأحداث في المخيمات، وخصوصاً في مخيم اليرموك،  تتخذ منحى مختلفاً، عندما سيطرت مجموعات المعارضة المسلحة على المناطق المجاورة لهذا المخيم، في الحجر الأسود والتضامن ويلدا، وراح عناصرها يهاجمون مراكز الدولة في المخيم (مخفر شرطة اليرموك- مخفر شرطة التضامن - البلدية)، الأمر الذي ألحق بها دماراً كبيراً. ومنذ صيف العام 2012، بدأت تظهر حالة من الفراغ الأمني، تخللها العديد من عمليات الخطف والاعتقال والقتل أو الاغتيال. وبات المخيم مهدداً إلى حد كبير، وتعاظمت مخاوف سكانه على حياتهم ومنازلهم وأرزاقهم.

وترافقت هذه المخاوف مع الحديث عن وجود مسلحين وخلايا نائمة من مجموعات المعارضة داخل المخيم، الأمر الذي دفع بعض الفصائل الفلسطينية، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، إلى تسليح المئات من الشباب الفلسطيني، وإقامة حواجز على مداخل المخيم، من جهة الحجر الأسود، ومن جهة يلدا والتضامن. وقد نتج عن هذا التطور توترات واشتباكات شبه يومية مع المسلحين في مناطق الجوار، وتزايدت عمليات الخطف والخطف المضاد، الأمر الذي دفع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية إلى إرسال رسائل إلى أطراف الصراع، تحذر فيها من مغبة اقتحام المخيم وتحويله إلى ساحة من ساحات هذا الصراع.

وقد حدث فعلاً ما توقعته فصائل منظمة التحرير. ففي منتصف كانون الأول/ديسمبر 2012  ليلاً، وصل خبر من مصدر من داخل مجموعات المعارضة المسلحة مفاده أن هذه المجموعات اتخذت قراراً باقتحام المخيم وحددت ساعة الصفر لذلك، التي لن تتعدى ساعات معدودة؛ الأمر الذي دعا فصائل منظمة التحرير إلى عقد اجتماع عاجل وطارئ لتدارس الأمر واتخاذ ما يلزم من إجراءات. وقد تقرر في ذلك الاجتماع إرسال وفد منها للقاء قادة المجموعات المسلحة وثنيهم عن اقتحام المخيم. ولكن هؤلاء القادة، بعد طول نقاش معهم، رفضوا الاستجابة لهذا المطلب، وأكدوا أن قرار الاقتحام  قد اتخذ ولا تراجع عنه، وأنهم غير معنيين بالنتائج التي ستترتب على اقتحام المخيم، من قتل ودمار وتهجير، باعتبار ذلك "ضريبة الجهاد"، وأن المخيم هو جزء من الأرض السورية وتسكنه غالبية من السوريين، وأن السيطرة عليه تضمن خاصرتهم المهددة من اللجان والأجهزة الموالية والتابعة للدولة، وأن من واجب الفلسطينيين "أن يقفوا إلى جانبهم، لأن اليوم سورية، وغداً فلسطين والقدس"، كما زعموا.

في اليوم التالي، عقد اجتماع عاجل للفصائل الفلسطينية الـ 14  في مقر مجلة الهدف، نوقش فيه الموقف وخطورة اللحظة، وتمّ الاتفاق على إرسال وفد من المشايخ ومن بعض الشخصيات الوطنية والاجتماعية لمفاوضة قادة المجموعات المسلحة والعمل على إقناعهم بالتراجع عن اقتحام المخيم. ولكن قبل أن يضطلع أعضاء الوفد بمهمتهم هذه، بدأت الأخبار والمعلومات تصل إلى الاجتماع بأن المسلحين وصلوا إلى شارع لوبية واليرموك، وباتوا على مقربة من  مقر مجلة الهدف ومن مشفى فلسطين. وبينما كان المجتمعون يغادرون مكان الاجتماع ضماناً لسلامتهم، قصفت طائرة ميغ موقعين في المخيم، عند جامع عبد القادر الحسيني ومدرسة الفالوجة، الأمر الذي أدى إلى سقوط العشرات من القتلى والمئات من الجرحى، وإنزال دمار كبير بالأبنية المجاورة، وهو ما زاد من رعب الناس.

ونجح المسلحون في احتلال المخيم دون قتال وبطريقة سهلة، وبدأوا باقتحام البيوت واعتقال المطلوبين لديهم، بتهمة انتمائهم إلى اللجان الشعبية المسلحة أو تعاونهم مع الأجهزة السورية. وقام الجيش السوري، في المقابل، بفرض حصار شامل على المخيم.

وقد تسببت هذه الأحداث كلها في نزوح جماعي لعشرات الآلاف من الفلسطينيين، وظهر وكأن مشهد النكبة راح يتكرر بطريقة أكثر مأساوية. وصارت الأوساط الفلسطينية في سورية تتخوف من أن يكون وراء زج الفلسطينيين في أتون الصراع السوري مخطط يرمي إلى استغلال ما يجري في سورية لدفع الفلسطينيين إلى المزيد من اليأس وإلى ترك مخيماتهم والتشتت، من جديد، في المنافي، بغية النيل من قضية اللاجئين وحق العودة، ولا سيما أن الأمر لم يقتصر على مخيم اليرموك بل تعداه إلى مخيمات فلسطينية أخرى، مثل خان الشيح وسبينة والست زينب والحسينية، وقبل ذلك درعا وحندرات في حلب واللاذقية.

البحث عن حل وإقرار مبادرة "الإجماع الوطني"

بعد فترة على وقوع هذه الأحداث، كلفت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله وفداً برئاسة عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة زكريا الآغا، بالسفر إلى سورية والسعي لإيجاد حل لمشكلة مخيم اليرموك. وقد قام هذا الوفد بعدة زيارات إلى العاصمة السورية. وفي 6 آب/أغسطس 2013، وبحضور هذا الوفد، توصلت الفصائل الفلسطينية الـ 14 الناشطة في سورية إلى مبادرة جماعية لإنهاء الأزمة في كل المخيمات الفلسطينية، أكدت ضرورة "عدم الزج بالفلسطينيين والمخيمات الفلسطينية "، في الصراع الدائر في سورية، و الحفاظ على المخيمات " بيئة آمنة تحتضن سكانها من فلسطينيين وسوريين خالية من السلاح والمسلحين "، والمحافظة " على الجهد الكفاحي الفلسطيني متجهاً نحو فلسطين والقدس وفي مواجهة عدونا الرئيس المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي ". وتضمنت المبادرة البنود الثلاثة التالية:

" أ -  خروج كافة المسلحين من المخيمات وضمان عدم عودتهم، وتسوية أوضاع الراغبين منهم، بما يفسح المجال لعودة النازحين إلى منازلهم، وتسهيل حرية الدخول والخروج من وإلى المخيمات للأفراد والمواد الغذائية والطبية، وإنهاء المظاهر المسلحة.

ب – العمل مع كل الجهات المعنية لإعادة خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات والبنية التحتية والشؤون البلدية وخدمات التعليم والصحة.

ج – العمل مع كل الجهات المعنية لتسوية أوضاع من يرغب من المسلحين بالخروج من المخيم، والعمل على إطلاق سراح المعتقلين من أبناء المخيمات الفلسطينية من الذين لم يثبت تورطهم في الأحداث."

وقد تشكلت، بهدف تنفيذ هذه المبادرة، لجنة باسم " لجنة الحوار" ، تم تشكيلها من مندوب عن كل فصيل من الفصائل الفلسطينية الـ 14، بالإضافة إلى خمسة مستقلين. وقد  تمكنت هذه اللجنة من إحراز تقدم من خلال التفاوض مع المسلحين، ونجحت في توزيع كميات من المواد الغذائية داخل المخيم، ومن إخراج الحالات الإنسانية الصعبة، كما قامت بتشكيل قوة فلسطينية مسلحة كي تنتشر على أجزاء من مخيم اليرموك بعد انسحاب المسلحين منه.

وأخيراً، وبعد جهود حثيثة، تمّ، في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد في 9/2/2014، انسحاب مجموعات المسلحين الغرباء ("جبهة النصرة" و"ابن تيمية") من القواطع الرئيسية للمخيم إلى خارج حدوده الإدارية، وأعيد رفع الأعلام الفلسطينية لترفرف من جديد، إيذاناً ببدء التنفيذ العملي لمبادرة الإجماع الوطني الفلسطيني. وتقرر دخول لجنة الحوار الفلسطينية إلى داخل المخيم فوراً لوضع الترتيبات الضرورية، واتخاذ الإجراءات اللازمة التي من شأنها إعادة ضخ الحياة من جديد في المخيم والعودة به إلى ما كان عليه قبل اجتياحه، وذلك تمهيداً لإعادة عشرات الآلاف من المهجرين الفلسطينيين إلى بيوتهم.

وفي 13/2/2014، أي بعد أيام قليلة من خروج المسلحين الغرباء من المخيم، أصدر أهالي مخيم اليرموك بياناً جاء فيه:

syrians-e1391619085551.jpg

"نحن أبناء الشعب الفلسطيني في مخيم اليرموك - محاصرين بشكل كامل منذ ما يقارب 7 أشهر، ومهجرين منذ 13 شهراً - عانينا خلال هذه الفترة ما عانينا من جوع وقهر وتهجير، فما من بيت لم يتضرر وما من عائلة لم تودع شهيداً  أو تعايش جريحاً أو يضنيها فراق مفقود أو معتقل. بعد أخذ ورد ونقاش طويل، ارتأينا أن نقدم للمعنيين في الشأن الفلسطيني من فصائل وهيئات ومؤسسات رؤيتنا، بل ونطالبهم بالوقوف مع أبناء شعبهم والانسجام مع مطالبهم ليعود المخيم عنوان عودة ومقاومة وتحرير وجسر عبور للقدس، لا لأي مكان آخر، وتتلخص رؤيتنا ومطالبنا بالآتي:

 

أولاً: نطالب بأن تعمل اللجنة المشكلة من الفصائل الفلسطينية الـ 14، ومن المستقلين الخمسة، بشكل وحدوي بعيداً عن التفرد والاستئثار بالقرار، وتكون هي المعنية بإدارة أمور المخيم.

ثانياً: نطالب الفصائل كافة بالالتفات إلى الداخل والقيام بمراجعات سياسية تعيد الاعتبار لدورها داخل المجتمع الفلسطيني في المخيمات، لتكون مرجعية حقيقية وفاعلة له بناء على مصالحه وهويته وقضيته الوطنية، وتقوم باحتواء كل من شذ من أبناء شعبنا من عناصر مسلحة وغير مسلحة وإعادة تأطيرها في برنامج يخدم مشروع التحرير والعودة.

ثالثاً: نطالب اللجنة المشكلة (14 +5) بوضع برنامج مصالحة شعبية تتجاوز الجراح وتكتم ضجيج الاتهامات، مع كافة مكونات الشعب الفلسطيني في مخيم اليرموك، للتأكيد على الحفاظ على المخيم بعيداً عن الصراع السوري الداخلي، ويترافق ذلك مع أجواء إيجابية في التصريحات والمواقف ينعكس على الوسائل الإعلامية.

رابعاً: الدعوة لفتح الطريق وعودة الأهالي إلى المخيم، وإعادة تهيئة البنية التحتية والخدمات البلدية، ومطالبة الأونروا بإعادة تجهيز مراكزها الصحية والتعليمية، من مستوصفات ومدارس، للعودة للحياة الطبيعية إلى المخيم.

خامساً: التواصل مع الجهات الحكومية والرسمية لتسوية أوضاع المدنيين والمسلحين داخل المخيم وخارجه، لعودتهم لممارسة حياتهم الطبيعية، والتسريع بالإفراج عن المعتقلين الذين لم يثبت تدخلهم بالأحداث."

عودة المسلحين إلى المخيم وتعثر تنفيذ المبادرة

لم تمضِ سوى أسابيع قليلة حتى عادت مجموعات المعارضة المسلحة إلى اجتياح المخيم واستباحته وطرد القوة الفلسطينية المشتركة منه، الأمر الذي أعاد الأمور إلى نقطة الصفر وأدى إلى تعثر تنفيذ المبادرة. ويمكننا أن نجمل الأسباب والعوامل التي أدت الى هذا التعثر في التالي:

عدم امتلاك المسلحين الفلسطينيين داخل المخيم، الذين كانوا قد وافقوا على المبادرة، سلطة اتخاذ القرار، وارتباطهم بالمسلحين الغرباء عن المخيم، وبخاصة "جبهة النصرة" و "الجبهة الإسلامية".

الخلل في تنفيذ عملية انتشار القوة الفلسطينية المشتركة داخل المخيم، بعد انسحاب المسلحين الغرباء منه، وذلك بعد أن جرى تقسيم المخيم إلى مربعات أمنية بدلاً من اعتباره وحدة متكاملة والانتشار فيه دفعة واحدة.

3- تفرد بعض الفصائل الفلسطينية في تنفيذ بنود المبادرة، ورغبتها في استثمار دورها في حل أزمة المخيم لتعزيز نفوذها الجماهيري داخله.

خصوصية موقع مخيم اليرموك الجغرافي، الذي تحيط به مناطق تشكّل ساحات رئيسية للصراع العسكري الدائر بين الجيش السوري ومجموعات المعارضة في جنوب مدينة دمشق.

فشل مؤتمر جنيف 2 في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وما رافق ذلك من حديث عن تنظيم حملة عسكرية على دمشق، انطلاقاً من حدود سورية مع الأردن.

الحلول المقترحة

خلال الاجتماعات المتوالية للفصائل الفلسطينية الـ 14، التي أعقبت عودة المسلحين إلى المخيم، برزت وجهتا نظر بخصوص طبيعة الحل المنشود:

الأولى : اللجوء إلى الحل العسكري واستخدام القوة من أجل طرد المسلحين واستعادة المخيم ، وتبنتها فصائل "التحالف الوطني الفلسطيني".

الثانية : التمسك بالمبادرة الفلسطينية، مبادرة " الاجماع الوطني الفلسطيني "، ورفض الحل العسكري حرصاً على سلامة المدنيين وحقناً لدماء الأبرياء ، وتبنتها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.

entrance.yarmouk.jpg

وقد أيّد وفد منظمة التحرير الفلسطينية، الذي زار دمشق برئاسة عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة أحمد مجدلاني، وجهة النظر الثانية هذه، وتمّ التوافق، من جديد، على الاستمرار في التمسك بالمبادرة الفلسطينية باعتبارها لا تزال تشكل أرضية مناسبة للحل، كما تمّ التوافق على تشكيل لجنة خماسية للتفاوض مع المسلحين داخل المخيم، تتشكّل من ممثلين اثنين عن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وممثلين اثنين عن فصائل "التحالف الوطني الفلسطيني"، ومندوب عن السفارة الفلسطينية بدمشق، على أن تعمل هذه اللجنة بإشراف "لجنة متابعة"، تضم كلاً من: الأستاذ محمود الخالدي سفير دولة فلسطين في سورية، والدكتور طلال ناجي الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، والدكتور سمير الرفاعي مدير مؤسسة شهداء فلسطين ولجنة الإغاثة المركزية وعضو المجلس الثوري لحركة " فتح "، والسيد أنور عبد الهادي مدير الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والسيد علي مصطفى مدير الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سورية.

 

المفاوضات مع المسلحين ونتائجها

التزاماً بتوجيهات وفد منظمة التحرير الفلسطينية، عقدت " لجنة الحوار"، المؤلفة من 19 عضواً، اجتماعاً بتاريخ 8/3/2014، اقترحت فيه آلية جديدة لتنفيذ المبادرة مؤلفة من تسع نقاط تحت عنوان : " آفاق الحل وإمكانية الوصول اليه ". وخلال المفاوضات التي جرت بين وفد التفاوض الفلسطيني والمسلحين داخل المخيم، تحقق تقدم طفيف على الصعيد الإنساني، إذ تمّ  الاتفاق على الاستمرار في توزيع المواد الغذائية وإخراج الحالات المرضية الصعبة من المخيم، كما تم تنفيذ حملة تطعيم للأطفال، بالاشتراك مع الهلال الأحمر السوري وبدعم من وزارة الصحة السورية.

بيد أن المسلحين، وبخاصة من "جبهة النصرة" ومن "الجبهة الإسلامية"، وضعوا، خلال التفاوض معهم، عقبتين أمام خروجهم من المخيم: الأولى، أن لا تشارك فصائل "التحالف الوطني الفلسطيني" في القوة الفلسطينية المشتركة المعنية بالانتشار في محيط المخيم، باعتبارها "مؤيدة للنظام" وبالتالي " طرفاً في الصراع "؛ والثانية، رفضهم شروط تسوية أوضاعهم  مع النظام، مع تأكيدهم على حق كل مسلح بتسوية وضعه بصورة فردية، ومطالبتهم بأن يشاركوا في القوة العسكرية والأمنية المنتشرة في محيط المخيم .

وفي مجرى التفاوض، تمّ تجاوز العقبة الأولى، بعد أن ذكّرهم الوفد الفلسطيني المفاوض بأنهم لم يعترضوا سابقاً على مشاركة جميع الفصائل الفلسطينية في القوة العسكرية المشتركة، التي انتشرت بعض وحداتها بالفعل في طرف المخيم حتى مشفى فلسطين، وكان أفرادها يلبسون لباساً موحداً ويحملون علماً واحداً هو علم فلسطين. بيد أن العقبة الثانية ظلت قائمة، ولم تنفع جهود الوفد الفلسطيني لتذليلها.

مشروع "المؤتمر الشعبي الفلسطيني"

وفي ظل تعثر الحوار مع المسلحين الغرباء عن المخيم، طُرحت فكرة اللقاء مع المسلحين الفلسطينيين من المعارضة داخل المخيم، المستعدين للموافقة على المبادرة، وانعقد بالفعل، اجتماع فلسطيني موسع، بمشاركة ممثلين عن بعض التجمعات الفلسطينية والفصائل الفلسطينية داخل المخيم، تحت اسم "المؤتمر الشعبي الفلسطيني في مخيم اليرموك"، تمّ الاتفاق خلاله على مشروع لآلية تنفيذية للمبادرة، تقوم على  تثبيت وقف إطلاق النار على كافة المحاور، ودعوة جميع المسلحين، غير الموافقين على الالتزام بتطبيق المبادرة، إلى الخروج من المخيم في أقرب وقت، ونشر قوة من المسلحين الفلسطينيين ومن مسلحي الفصائل الفلسطينية في الطرف الجنوبي للمخيم (الحجر الأسود) وفي طرفه الشرقي (يلدا)، وتسليم الأسلحة المتوسطة والثقيلة، داخل المخيم، للسلطات المختصة، وتنظيم كشوف اسمية للمسلحين مع أرقام أسلحتهم الخفيفة، وتسوية وضع من يرغب من المسلحين، بضمانة الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، والاستمرار في تقديم المواد الغذائية والدوائية، على أن يتم ذلك داخل المخيم وليس في أطرافه، والعمل على إعادة تشغيل الأفران المتفق عليها وفتح مراكز بيع التجزئة والمؤسسات الاستهلاكية وتوفير كل الشروط الأمنية المناسبة للعاملين فيها والمستفيدين منها، والعمل على تشكيل "الهيئة الشعبية " الموسعة التي ستقود المخيم خلال المرحلة الانتقالية المؤقتة لحين عودة كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها، من ممثلي الفصائل اللفلسطينية الـ 14، على أن يمثل فيها رؤساء دوائر الخدمات في المخيم (الهيئة العامة للاجئين –البلدية – دائرة الكهرباء – دائرة المياه ...إ لخ)، وضمان عودة جموع النازحين، من المواطنين الفلسطينيين والسوريين على حدٍ سواء، بالتنسيق مع الدولة وعبر مؤسساتها.

 كما تمّ الاتفاق، أخيراً، على أن يتم التوقيع على هذا المشروع من جانب " لجنة الحوار" الممثلة للفصائل الفلسطينية الـ 14 ومن قادة المسلحين الموافقين على المبادرة والملتزمين بتنفيذها، وذلك بحضور القيادات الفلسطينية ووفد مركزي من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، في إطار مؤتمر شعبي يُعلن خلاله بشكل نهائي اعتبار المخيم منطقة آمنة خالية من السلاح والمسلحين، ويطلب من الأهالي العودة إلى المخيم أفراداً وجماعات سوريين وفلسطينيين على حد سواء.

غير أن وضع بنود هذا المشروع موضع التطبيق، اصطدم، مرة أخرى، بسياسة المماطلة والتسويف التي تنتهجها مجموعات المسلحين الغريبة عن المخيم ( وتحديداً "جبهة النصرة" و" ابن تيمية" و "الجبهة الإسلامية ")، والتي تراهن على الوقت، وربما على قنوات جديدة للتفاوض مع الدولة مباشرة، بما يمكّنها من تحسين شروط خروجها من المخيم، وإظهارها بموقف " المفاوض الند " وليس " المفاوض المستسلم الرافع للراية البيضاء ". وهكذا، تتواصل مأساة مخيم اليرموك، وتستمر معاناة سكانه، من مقيمن ومهجرين، حتى هذه اللحظة، لا سيما وأن  المجموعات المسلحة داخل المخيم تواصل قيامها بخرق الهدنة بشكل متكرر، وكان آخرها يوم الثلاثاء في 13/5/2014، حيث تمّ إطلاق النار على فرق الإغاثة، وأمام أعين آلاف المدنيين، ما أدى إلى سقوط  شهيدين وجرح آخر من الذين يعملون على خدمة الناس لإغاثتهم، وإلى توقف عملية تقديم المساعدات.

استخلاصات ونتائج

إذا حاولنا تقويم المرحلة السابقة، يمكننا استخلاص النتائج التالية:

أولاً: من الواضح أن هناك من لا يرغب في حل مشكلة مخيم اليرموك، بل يسعى إلى إطالة أمد هذه الازمة، ويجد مصلحته في استمرارها. ويمكن تصنيف هؤلاء في صنفين: المسلحون الغرباء الذين يراهنون على البعد الإقليمي والدولي للأزمة السورية، ونجاحه في تغيير موازين القوى على الأرض، من جهة؛ وتجار الأزمة، داخل المخيم وخارجه، الذين يستفيدون من استمرارها، ويرون فيها مشروعاً تجارياً يكسبهم ثراء فاحشاً خلال فترة وجيزة، من جهة ثانية.

ثانياً: إن عودة مسلحي " جبهة النصرة"  و" داعش " و" ابن تيمية "، انطلاقاً من المناطق المحيطة بالمخيم، إلى اجتياح المخيم خلال وقت قصير، يدل على العجز عن تنفيذ أي حل نهائي لأزمة مخيم اليرموك، طالما بقيت المناطق المحيطة به مشتعلة وساحة للصراع المسلح.

ثالثاً: أثمرت الزيارات المتكررة لوفد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى دمشق في التخفيف من معاناة شعبنا الفلسطيني في سورية عموماً وفي مخيم اليرموك خصوصاً، حيث تم إدخال حوالي 17000 سلة غذائية إلى المخيم، إضافة إلى إخراج حوالي 4000 من المرضى والحالات الصعبة والطلبة.

رابعاً: لم يحرز تقدم جدي حتى الآن في موضوع المعتقلين الفلسطينيين، علماً بأن قضيتهم كانت من النقاط الرئيسية الثابتة على جدول أعمال وفد منظمة التحرير الفلسطينية في محادثاته مع الجهات السورية المعنية، التي وعدت بحل قضيتهم وتسوية أوضاعهم، بعد تصنيفهم في ثلاث فئات: أصحاب الجنايات والإجرام، مثل السرقة والمخدرات وغيرها، وهؤلاء سوف ينالون جزاءهم بعد عرضهم على القضاء؛ المتورطون في حمل السلاح، وهؤلاء سوف يتم التعامل معهم كالسوريين والقضاء هو الذي يبت بأوضاعهم؛ النشطاء الإعلاميون لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهؤلاء سوف تتم تسوية أوضاعهم قريباً. أما من لا يدخل ضمن هذه التصنيفات، فسيتم إطلاق سراحه فوراً، وهذا ما حدث بالفعل مع عدد منهم.

خامسا: هناك قضية  ملحة وعاجلة تتعلق بأوضاع المخيمات الفلسطينية، التي تحررت من سيطرة المسلحين، مثل الحسينية وسبينة وحجيرة، وعادت لتصبح، منذ أكثر من ستة أشهر، تحت سيطرة الدولة، ولكن دون أن يسمح  لسكانها بعد بالعودة  إلى بيوتهم، علماً بأن المسؤولين وعدوا  بأنهم سوف يسمحون لسكانها بالعودة في القريب العاجل.

سادساً: تضم سورية أكثر من 500000 لاجئ فلسطيني، باستثناء الذين قدموا من العراق وقطاع غزة والضفة الغربية، منذ السبعينات. وتتخوف الأوساط الوطنية الفلسطينية في سورية من أن يكون هناك لدى أعداء القضية الفلسطينية  توجه لاستغلال الصراع الدائر في سورية من أجل الضغط على اللاجئين الفلسطينين ودفعهم للهجرة واستيعابهم في بعض الدول الغربية، مقابل تنازلهم عن حق العودة .

والواقع، أن هذه الأزمة قد تسببت في تدمير مخيمات بكاملها،  مثل مخيم اليرموك ومخيم العائدين في درعا، وكذلك مخيم سبينة وتجمع الحسينية ومخيم خان الشيح، ودفعت نسبة كبيرة من فلسطينيي سورية إلى ترك منازلها ومخيماتها، والنزوح داخل سورية وخارجها. فقد شهدت مخيمات اليرموك، وسبينة، والسيدة زينب، والحسينية، ودرعا، حركة نزوح جماعي. بينما شهدت مخيمات خان الشيح، والنيرب، وحندرات، حركة نزوح جزئي. كما أن هناك الآلاف من الفلسطينيين الذين هجروا مناطق سكناهم في المدن والضواحي والبلدات ( حلب - درعا البلد – دوما – حرستا - جوبر- شبعا - داريا - المعضمية - المزيريب). وقد انتقل عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى لبنان والأردن، كما هاجر بعضهم إلى ليبيا ومصر وتركيا وأربيل في شمال العراق، ولقي العشرات منهم مصرعهم في قوارب الموت التي غرقت في مياه البحر الأبيض المتوسط، لدى توجههم إلى بعض الدول الأوروبية.

الأسبوع الثاني من أيار/مايو 2014