مروان عبد العال: إسرائيل تكرس شرعيتها الدينية في الأقصى
التاريخ: 
25/11/2015
المؤلف: 

يربط مسؤول الجبهة الشعبية في لبنان مروان عبد العال التطورات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية بالمخططات الإسرائيلية، أكانت في القدس أم في الضفة الغربية، ويرى أن "إسرائيل تختبر مسألة التقسيم الزماني للمسجد الأقصى في سياق استراتيجيا تأكيد الشرعية الدينية اليهودية في فلسطين، وخصوصاً في القدس، من خلال الزعم بأن 'جبل الهيكل' هو الحرم القدسي الشريف." ويقول "في رأيي أن التقسيم هذا فكرة ترى إسرائيل أنها باتت تلائم المرحلة، ولهذا تفرضها ميدانياً، وأصبح يتعين على مَنْ هم في عمر معين الدخول إلى الحرم القدسي في ساعات محددة، وكذلك حددت ساعات لكل من النساء والزائرين والسياح."

ويرفض عبد العال المزاعم بأن الاعتداءات على المسجد الأقصى يقوم بها "شذاذ الآفاق والمستوطنون المتطرفون وبعض السياح"، بل هي "جزء من استراتيجيا إسرائيلية، بدليل أن نتنياهو يقول بوضوح أنه سيحافظ على الوضع الراهن، ويتصل بعدد من الرؤساء العرب ويقول لهم: اطمئنوا سنحافظ على الوضع الراهن، الذي ليس هو سوى الاستمرار في فرض السياسة الإسرائيلية في القدس."

ويرى عبد العال أن "المخطط أكبر من قصة تقسيم زماني، والهدف النهائي هو تهويد المكان، فإسرائيل خاضت معركة عبرنة الأماكن وعبرنة الذاكرة. وهي ترى أن هناك ذاكرة عبرية فقط ولا توجد ذاكرة عربية."

كوابح الانتفاضة الثالثة

أمّا ما يجري على المستوى الشعبي الفلسطيني، فيرى عبد العال أنه "بوادر أو بشارة بمرحلة جديدة، وإذا توفرت لها الشروط من الممكن أن تكون انتفاضة ثالثة. لكن السؤال هو: هل الشروط متوفرة أم لا؟ أرى أن العديد من الشروط متوفرة، وأهمها وجود جيل جديد تربى في مرحلة أوسلو وولد في الانتفاضة الأولى. هذا الجيل لديه القدرة على الإبداع في المواجهة، ولديه الإيمان ومستعد للتضحية. وهو يؤمن بفكرة ويذهب لتنفيذها ميدانياً." ويضيف: "ما يحدث هو نتيجة تراكمات"، وما يجري الآن هو "بؤر انتفاضية. والسؤال هو: لمَ لا تنتفض الضفة الغربية؟"

وفي حين يعتبر مسؤول الجبهة الشعبية في لبنان أن العامل الميداني للانتفاضة موجود، وعامل قدرة الناس على التضحية موجود، فإنه يرى أن هناك ما يكبح اندلاع انتفاضة ثالثة، وهنا يسأل: "هل الشرطة الفلسطينية تستطيع الآن أن تقوم بالدور نفسه الذي قامت به سابقاً خلال الانتفاضة الثانية؟"

كما يحيل إلى الانقسام تعقيد قيام انتفاضة ثالثة، ويقول إنه نتيجة هذا الانقسام "لم نعد نعرف أحياناً من هو الفلسطيني؛ فالإعلام يتحدث عن غزة كأنها هي فلسطين فقط؛ وكأن الضفة ليس لها علاقة بهذا الفلسطيني الذي تحول إلى فلسطيني في المنطقة أ، وفلسطيني في المنطقة ب، وفلسطيني في المنطقة ج"، وفق تقسيمات أوسلو لمناطق الضفة الغربية الثلاث.

ويضيف: "المسألة الأُخرى [التي تعوق اندلاع الانتفاضة] هي الانغلاق السياسي وعدم قدرة القيادة الحالية على الخروج منه. عندما دخل شارون إلى الأقصى في سنة 2000، كان أبو عمار قادماً من كامب ديفيد، بيقين أن باب التسوية قد أُقفل، لذلك جلس في مكتبه، وسمح للشباب بأن يتحركوا في الميدان. الآن هناك انغلاق سياسي كامل: أوباما في آخر عهده لن يضغط على إسرائيل، وفي خطابه الأخير أمام الأمم المتحدة لم يتطرق إلى مسألة فلسطين، وحتى الرئيس أبو مازن أكد في كلمته أنه لم يعد هناك فائدة من المفاوضات، لكنه ترك خط العودة مفتوحاً فسحاً في المجال أمام المبادرة الفرنسية التي تحدد سنة 2017 لقيام دولة فلسطينية. لكن اسرائيل لا تلتزم أي شيء؛ نحن أمام وضع مغلق بالمعنى السياسي عربياً أيضاً، ففلسطين لم تعد أولوية، ولكل دولة عربية فلسطينها [أزمتها] الخاصة ونكبتها الخاصة."

تجديد الشرعية وإنهاء الانقسام

ويقول عبد العال إن المعضلة الكبرى هي تقادم الشرعية الفلسطينية التي هي بحاجة إلى تجديد، ويرى أن تجديدها إنما يتم في الشارع ، "فنحن لسنا دولة مستقلة وشرعيتها لا تتجدد بالاقتراع، وحتى عندما اختار الفلسطينيون 'حماس' عبر صندوق الاقتراع، أعطوها ثقتهم لأنها مقاومة، فنحن في مرحلة تحرر والشرعية هي شرعية كفاحية."

ويعتبر مسؤول الجبهة الشعبية في لبنان أن أهم انجاز يمكن أن يحدث الآن، وتساعد الانتفاضة في تحقيقه هو إنهاء الانقسام فوراً.

وإذا ما كان الفصيلان الأكبر "فتح" و"حماس" على قدر من الخلاف الذي سيعقّد عملية إنهاء الانقسام، فإن السؤال يتمحور حول الدور الذي يمكن أن يؤديه اليسار عامة، والجبهة الشعبية خاصة، باعتبارها عضواً في منظمة التحرير ولم تتخل عن فكرة المقاومة وتتواصل مع "حماس" ومع "فتح" ومع السلطة الفلسطينية؟

يقول عبد العال: "حقيقة، تحولنا إلى مبشر، وأصبح الحديث كله يدور حول إنهاء الانقسام والدعوة إلى العودة إلى اتفاق القاهرة، وإلى تفعيل الإطار القيادي الموقت، وإلى تأليف الحكومة الموقتة. ويُعتقد أن هناك فرصة الآن لشيء عملي هو الوحدة في الميدان، وهي وحدة تفرضها الانتفاضة، ثم الضغط لإنهاء الانقسام السياسي وعقد جلسة للمجلس التشريعي، لنسمّها 'دورة شباب الأقصى'، مثلاً، ونعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أساس ما تم الاتفاق عليه، والابتعاد عن المصالح الضيقة والفئوية."

وعن مبادرة الرئيس نبيه بري بين "فتح" و"حماس"، يقول عبد العال: "كنتُ على علم بما طرحه دولة الرئيس بري عندما طلب منه وفدان من 'فتح' و'حماس' موعدين للقائه، فاقترح أن يأتي ممثلون عن الفصيلين في وفد واحد، ويتم التأسيس بناء على ذلك لحوار، وقال: 'إذا لم يكن هناك مكان في العالم العربي يستقبلكم فبيروت ترحب بكم.' إن القضية في رأيي ليست فتح حوار جديد، فقد جرت حوارات طويلة في القاهرة، وكان كل اجتماع يدوم 10 أيام أو 15 يوماً في مدرسة مغلقة للأمن المصري، وقد خرج المجتمعون بأوراق واتفاقات مكتوبة. القضية هي كيف تنفذ هذه الاتفاقات؛ المطلوب اتخاذ قرار سياسي بتنفيذ ما اتُفق عليه، وهو أمر غير متاح حالياً."

ويدعو عبد العال، في ضوء ما يجري، إلى تبني "سياسة وطنية جديدة، من خلال بناء المؤسسة الوطنية التي هي مصدر صناعة القرار. لذا، يجب أن تعود منظمة التحرير إلى كونها جبهة وطنية في مرحلة تحرر وطني لها أدواتها الديمقراطية وبناها الاجتماعية."

فلسطينيو لبنان والمستقبل المغلق

انتقالاً إلى الوضع الفلسطيني في لبنان الصعب والمعقد، يرى عبد العال أن الأمر أشبه بـ "مجزرة اجتماعية. [اللاجئون الفلسطينيون] يواجهون كل أشكال العناصر الطاردة، فهناك جيل يبحث عن مستقبل هو مغلق أمامه، نتيجة القوانين والإجراءات اللبنانية القاسية، اقتصادياً واجتماعياً وقانونياً، بالإضافة إلى تقليص خدمات الأونروا، وتحول منظمة التحرير إلى ما يشبه منظمة غير حكومية وهيئة إغاثة، بينما هي، ويجب أن تبقى، قيادة سياسية."

ويسأل القيادي الفلسطيني: "كيف تنظر القيادة الفلسطينية إلى الفلسطينيين في الخارج، وتحديداً الفلسطينيين في لبنان؟ هل نحن جزء شريك كشتات في القرار السياسي، أم نحن جانب ملحق؟ هل نحن احتياط لم يأتِ أوانه بعد، أم انتهى دوره؟ هل نحن في صلب العملية النضالية، وفي صلب الصراع، وقوة وطاقة أم لا؟"

ويقول عبد العال: "تفاجأ البعض بوجود جيل فلسطيني انفجر في أراضي 48، فهل يتفاجأ بأن ثمة شعباً موجوداً في الخارج بحجم الشعب الموجود على أرض فلسطين التاريخية؟" ويضيف: "هناك خصوصية لفلسطينيي لبنان، وقطعاً فلسطينيو لبنان ليسوا حديقة خلفية لأحد، وهم جزء من القرار الوطني، ويجب أن نتحدث عن دورهم وعن طبيعة العلاقة معهم. أمّا الزيارات المتكررة واللقاءات، وتحديد الميزانية المطلوبة لهم، فهذا شيء خدماتي ووظائفي وليس دوراً نضالياً. المسألة هي غياب البرنامج والاستراتيجيا، فنحن أمام تأكل عام يعكس نفسه على الواقع الفلسطيني كله، وضمنه فلسطينيو لبنان."

ويرى أن "رفع الصوت عالياً في وجه الأونروا، هو أمر غير كاف، فالأونروا مشكلتها أن الدول المانحة لم تعد تغطي ميزانيتها، وخصوصاً أن لديها تحديات كبرى، مثل بناء غزة، وبناء نهر البارد، والخدمات التي تديرها في مناطق عملها الخمس. لا أعتقد أن البحث عن تمويل، أو حث الممولين على الوفاء بتعهداتهم هو دور الأونروا فقط، بل أساساً يجب أن يكون دور منظمة التحرير، الممثلة السياسية للشعب الفلسطيني، وهي التي يجب أن تخاطب الدول المانحة وتحثها على الوفاء بالتزاماتها المالية."

ويتابع عبد العال: "لقد أهينت كرامة اللاجئين منذ أن تم توقيع اتفاق أوسلو، بسبب إضعاف دور منظمة التحرير وتقليصه إلى مجرد هيئة إغاثة لا تملك ما يكفي أصلاً للقيام بدور كهذا، وإنشاء السلطة الوطنية كبديل منها؛ سلطة تتمول من صندوق النقد الدولي، ومن دول مانحة تقدم أموالاً مشروطة بتنازلات سياسية."

ويحذر من أن "ثمة توجهاً إلى إنهاء دور الأونروا وتسليم مهماتها إلى الدول المضيفة. أقول لك إن هناك حديثاً بشأن تحويل معهد سبلين للتدريب المهني التابع للأونروا إلى كلية تابعة للجامعة اللبنانية. يجب أن نكون متنبهين إلى ذلك، وأن نحافظ على الأونروا وعلى دورها الإغاثي، ويجب استعادة دور منظمة التحرير كممثل سياسي للشعب الفلسطيني."

كذلك يحذر قائلاً: "نحن أمام خطر وجودي على الفلسطينيين في لبنان، لكن هل هناك مَنْ يمكنه أن يتحمل عبء إلغاء الوجود الوطني الفلسطيني هذا؟ أنا حقيقة متخوف من مفعول فرض حالة البؤس والجوع، وحالة القلق والخوف، ومن تحويل هذا الوجود إلى فزاعة بهدف إغلاق ملف الشتات. مَنْ هاجر من الفلسطينيين إنما هاجر بحثاً عن أمل. هناك أشخاص أملهم أن يجدوا وطناً، وآخرون أملهم هو الحصول على هوية شخصية، وكلهم يبحثون عن كرامة إنسانية وحرية. كل هذه الآمال تبعثرت في مخيمات لجوئهم، فذهبوا يبحثون عنها في المهجر."

صدمة سورية

وفي الشأن المتعلق بفلسطينيي سورية، يقول عبد العال: "لا شك في أن حجم الخطر على الوجود الفلسطيني في سورية صادم. كنّا نوجه تفكيرنا بشأن الخطر الوجودي إلى الفلسطينيين في لبنان، وكان الوجود الفلسطيني في سورية الجدار الذي يستند إليه الوجود الفلسطيني في لبنان. فكان مخيم اليرموك بمثابة القلعة النضالية حتى تحقيق حق العودة. الآن يُهَجَّر فلسطينيو سورية، وقد وصل إلى لبنان في مرحلة ما نحو 90.000 لاجئ من فلسطينيي سورية، لكن هذا العدد انخفض الآن إلى 40.000، ومعظمهم لم يرجع إلى سورية، وإنما لجأ إلى أوروبا."

عن المؤلف: 

أنيس محسن: سكرتير تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية.