اضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام: صرخة في وجه المحتل
التاريخ: 
28/04/2017
المؤلف: 

يأتي إعلان مروان البرغوثي وأكثر من ألف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية إضرابهم عن الطعام صرخة احتجاج على ظروف اعتقالهم وسجنهم، في ظل ظروف قاسية وصعبة للغاية يمر بها الفلسطينيون بصورة عامة في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، وسيطرة أجواء اليأس، والإحباط، وانعدام الأمل، وانسداد الأفق، التي كانت في أساس نشوب الهبة الفلسطينية الأخيرة.

كما يأتي هذا الاضراب في ظل تفاقم الخلافات الدخلية الفلسطينية بين السلطة الفلسطينية في رام الله وبين قيادة "حماس" في القطاع، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها أهالي غزة، وتردي ظروف حياتهم اليومية.

في رأي أكثر من مراقب فلسطيني يفتقر الجمهور الفلسطيني في المرحلة الحالية إلى رؤيا فلسطينية جامعة وإلى مشروع وطني تحمله زعامة تمثله وقادرة على تحقيق تطلعاته وإخراجه من دائرة الإحباط واليأس، وتستطيع تحفيزه من جديد للنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي وسلطاته الغاصبة. وضمن هذا الإطار تعتبر قضية الأسرى الفلسطينيين من أهم القضايا الفلسطينية الجامعة التي من شأنها توحيد الفلسطينيين من حولها بغض النظر عن انتماءاتهم وتوجهاتهم.

ووفقاً لتقرير هيئة شؤون الأسرى والمحررين، في نهاية 2016 بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية نحو 7000 أسير، بينهم 350 طفلاً قاصراً (دون سن الـ18) ونحو 73 امرأة وفتاة. أما عدد الأسرى الإداريين الذين تعتقلهم إسرائيل من دون محاكمة فيبلغ قرابة 567 أسيراً. ليس هناك عائلة فلسطينية لم تعان من تجربة الاعتقال، مما يجعل قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية هماً وطنياً جامعاً، يحظى بدعم وتأييد قطاعات كبيرة من الجمهور الفلسطيني.

ردة فعل الشارع الفلسطيني

17barghouti-inyt-master768.jpg

في رأي خليل شاهين نائب مدير مركز "مسارات" في رام الله، أن التجاوب الفلسطيني مع الإضراب بدأ ضعيفاً، لكنه أخذ يتحسن خلال الأيام الأخيرة. وهناك عدة أسباب وراء ذلك، منها الموقف الرسمي الذي يدعم الاضراب في  الخطاب السياسي لكنه غير متحمس عملياً، وبخاصة عشية زيارة الرئيس محمود عباس للبيت الأبيض ولقائه الأول المتوقع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ الحملة الشرسة التي تشنها إسرائيل ضد السلطة الفلسطينية على خلفية صرف مخصصات عائلات الأسرى والشهداء، والتخوف من أن يعزز إضراب الأسرى موقف الرأي العام الرافض لأي إجراء يتعلق بهذه القضية الحساسة.

كما جاء الإضراب مفاجئاً وبناء على مبادرة من مروان البرغوثي، وظهر كأنه خطوة فتحاوية لم يتم التوافق عليها مع أسرى الفصائل الأخرى كفعالية وطنية، ولذلك رفضت الجبهة الشعبية في البداية المشاركة في الإضراب ومن ثم عادت لتتخذ قراراً بالمشاركة على دفعات، وحتى الآن لا تشارك "حماس" بقوة. ويضاف إلى ذلك أن هناك خلافات حول خطوة الإضراب وتوقيته داخل حركة "فتح" نفسها، سواء على مستوى اللجنة المركزية أو على مستوى كادر الحركة في السجون. وهناك من ينظر إلى الإضراب بصفته خطوة لتعزيز مكانة مروان البرغوثي، وبخاصة بعد إقصائه عن تولي أي منصب داخل اللجنة المركزية على الرغم من حصوله على أعلى نسبة من الأصوات في مؤتمر "فتح".

بشكل عام لم يسبق الإضراب حملة لتهيئة الجمهور لمثل هذه الخطوة، وخلق حالة من التوافق الوطني الداعم للإضراب، ومن الملاحظ حدوث تراجع في دور القوى والفصائل الفلسطينية وحالة عدم ثقة بها، خاصة في أوساط الشباب الذين لا يريدون المشاركة في فعاليات ينظم معظمها في خيام الاعتصام أو عبر مسيرات في مراكز المدن، ويتصدرها مسؤولون وقادة فصائل للظهور أمام وسائل الإعلام، بعيداً عن نقاط التماس والاحتكاك مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعتقد كثيرون أنه المعني أولاً بوصول رسائل الاحتجاج الشعبي والدعم للاسرى.

يبدو واضحاً ان السلطة الفلسطينية تؤيد تنظيم الفعاليات الداعمة للإضراب في مراكز المدن، وهي لا تريد مواجهات مع قوات الاحتلال، في وقت تتزايد فيه الدعوات نحو التوجه إلى الحواجز رغم موقف السلطة.

لكن المزاج الشعبي بدأ يتحول أكثر فأكثر نحو الاشتباك مع الاحتلال، ويتوقع أن تتسع هذه الحالة في حالة استمرار الإضراب ونقل المئات من المضربين إلى المستشفيات، وهذا ما تخشاه إسرائيل، ولذلك تفرض تعتيماً شديداً على ما يجري داخل السجون، وتقوم بعزل المضربين فردياً وجماعياً وتمنع زيارات المحامين لمنع أي تواصل من شأنه أن يغذي الحالة الشعبية؛

طبعاً يضاف إلى ما سبق أنه جرى إشغال الجمهور بقضية حسم رواتب موظفي غزة والتهديدات بمزيد من الإجراءات في غزة الغارقة في الظلام منذ عدة أيام، وهناك قلق في الضفة أيضاً من إجراءات تتعلق بالموظفين.

التجاهل الإسرائيلي

قبل أن يبدأ الإضراب كان واضحاً أن التوجه الرسمي الإسرائيلي هو نحو تجاهل الإضراب وطمسه والعمل على تخريبه وتفريغه من محتواه، من خلال الضرب على وتر الانقسامات الفلسطينية، وتغذية الأحقاد والتشكيك بهدف الإضراب وبنوايا المبادر إليه.

في هذه الأثناء تبذل السلطات الإسرائيلية كل ما في وسعها لكسر الإضراب ومنع انتقال عدواه إلى سجون أخرى، وعزل الأسرى المضربين، ومنعهم من الاجتماع بمحاميهم، والضغط حتى على الأسرى غير المشاركين في الإضراب، وفرض تعتيم إعلامي على ما يجري داخل السجون.

ليست المطالب البسيطة التي يطالب بها الأسرى هي التي تثير حنق إسرائيل وغضبها. فما يطالب به الأسرى ليس إطلاق سراحهم بل تحسين ظروف اعتقالهم مثل زيادة الزيارة العائلية من مرة في الشهر إلى مرتين؛ تأمين غرف لاستخدام الهاتف للجميع؛ تقديم العناية الطبية للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة؛ معاودة السماح بالتسجل في الجامعات الإسرائيلية للدراسة، وقف اللجوء إلى الاعتقال الإداري. لكن ما تتخوف منه الحكومة الإسرائيلية أن ينجح الإضراب في إيقاظ الشارع الفلسطيني وأن يخلق حراكاً شعبياً يمكن أن يفجر الأوضاع في الضفة الغربية وغزة ضد إسرائيل.

حتى الآن يرفض اليمين الحاكم في إسرائيل أي تفاوض مع المضربين ويعتبر ذلك تنازلاً غير مقبول. وتشن الأوساط المقربة من هذا اليمين حملة شعواء على مروان البرغوثي شخصياً للتشكيك بدوافعه، وتصوير الإضراب الذي دعا إليه بأنه محاولة سياسية منه للوصول إلى موقع الزعامة الفلسطينية ووراثة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. 

لكن على الرغم من هذا كله برزت أصوات داخل إسرائيل تتحدث عن عدالة قضية الأسرى الفلسطينيين وتدعو إلى انصافهم. ومع ضآلة هذه الأصوات إلا إن هذا لا يقلل من شجاعتها وأخلاقيتها في زمن لم يعد للأسير الفلسطيني من يقف إلى جانبه.

 

مقالات

للاطلاع على نص مقال مروان البرغوثي في "النيويورك تايمز" يمكن العودة إلى الرابط التالي:

https://tinyurl.com/m2g7c7t

أوري أفنيري: "في نظري البرغوثي هو نيلسون مانديلا الفلسطيني"

http://tinyurl.com/lwshkx9

عميرة هاس:" الإضراب عن الطعام موجه نحو السجن الذي في الخارج".

http://www.palestine-studies.org/ar/daily/mukhtarat-view/212149#212154

 

عن المؤلف: 

رندة حيدر: محررة النشرة اليومية "مختارات من الصحف العبرية" التي تصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت.