عن اتفاق فيينا: أهميته وتداعياته المحتملة
التاريخ: 
28/07/2015
المؤلف: 

"نعم، إنه اتفاق تاريخي ؛ هو تاريخي ليس لأنه سيفضي إلى إعادة تشكيل النظام العالمي، وإنما لأنه سيترك تأثيراً كبيراً على العلاقات الدولية. ويمكن تلخيص ما تضمنه بثلاث نقاط: 1-الحد من تطور البرنامج النووي الإيراني خلال عشر سنوات؛ 2-في المقابل، لن يكون هناك إلغاء وإنما تعليق للعقوبات؛ 3-الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستتمتع بحرية الوصول إلى كل المنشآت النووية لكشف أي محاولة لتحويل الذرة لأغراض عسكرية. 

إنه يمثل انتصاراً لنهج الدبلوماسية؛ من الصحيح أن المفاوضات كانت طويلة ومتقطعة، وغير مؤكدة، لكنها أفضت في النهاية إلى نتيجة. فتم الاعتراف بحق إيران ببرنامج نووي سلمي، وتم الحفاظ على كرامة الشعب الإيراني. وفي المقابل، حصلت الدول الكبرى على ضمانات جدية بالتوصل إلى الهدف الذي وضعته وهو منع انتشار الأسلحة النووية. ولم تتفاوض الدول الغربية وحدها مع إيران، بل انضمت إليها كل من روسيا والصين، وهما دولتان لا تريدان كذلك أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً. وبذلك، لم يتم الخلط، ولأول مرة، بين مجتمع دولي ومجتمع غربي، وهذا أمر مهم.

إنها هزيمة لكل أولئك، من الصقور والمحافظين الجدد، الذين ظلوا يرددون منذ عشر سنوات أن عمليات القصف الجوي هي وحدها التي ستمنع إيران من صنع القنبلة النووية.

إن هذا الاتفاق لن يزيل الشكوك حول سياسة إيران الداخلية والخارجية... لكن يمكن الاعتقاد أن الحد من مشاعر الحصار، سيمنح هامش مناورة للمعارضة التي كانت تجد صعوبة في التعبير عن نفسها في ظل وجود تهديدات خارجية.

هل ستغيّر إيران مسلكها الدولي؟ إن هذا السؤال سيبقى مفتوحاً، لكننا نأمل بأن مناخ الثقة سيسمح بإجراء حوار بناء مع طهران. وهذا الاتفاق لن يحل كل مشكلات المنطقة لكنه خطوة في الاتجاه الصحيح ".

بهذه الكلمات، عبّر باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، بعد ساعات من الإعلان عن التوصل إلى اتفاق فيينا، عن رأيه في طبيعة هذا الاتفاق وتداعياته المحتملة.

عودة إلى التاريخ

كانت إيران قد بدأت أبحاثها في المجال النووي منذ عهد الشاه، ووقعت في سنة 1968 معاهدة حظر الانتشار النووي وتعهدت بعدم تطوير أسلحة نووية. وبعد انتصار الثورة الإسلامية، في شباط/فبراير 1979، واصلت إيران أبحاثها في هذا المجال.

في شهر آب/أغسطس 2003، وفي عهد الرئيس محمد خاتمي، اقترحت الدول الأوروبية الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا إجراء مفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي. وكلف الرئيس خاتمي، في ذلك الحين، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي، حسن روحاني، برئاسة وفد الحكومة الإيرانية المفاوض، الذي ضم الخبير محمد جواد ظريف. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2003، وافقت إيران على تطبيق البروتوكول الإضافي لمعاهدة الحد من الانتشار النووي، الذي يتيح للوكالة الدولية للطاقة الذرية القيام بعمليات تفتيش على مواقعها النووية. ثم أعلنت إيران، في تشرين الثاني/نوفمبر 2004، وقف عمليات تخصيب اليورانيوم.

في شهر حزيران/يونيو 2005، فاز أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الإيرانية، وأعلنت حكومته في شهر آب/أغسطس من السنة نفسها، عزمها على العودة إلى عمليات تخصيب اليورانيوم.  وكانت إيران قد أقامت موقعين للتخصيب: موقع ناتنز الأكثر أهمية، وموقع فوردو، ، الذي أقامته بالقرب من مدينة قم على بعد مئات الأمتار في عمق الأرض كي تحميه من الضربات الجوية. كما أقامت في آراك مفاعلاً للأبحاث يعمل على الماء الثقيل.

 في شهر آذار/مارس 2006، قررت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المتخوفة من استمرار إيران في عمليات التخصيب، نقل ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي، مما دفع هذه الأخيرة إلى إعلان امتناعها عن تطبيق البروتوكول الإضافي لمعاهدة الحد من الانتشار النووي. وفي 29 آذار/مارس 2006، صدر أول قرار عن مجلس الأمن الدولي يطالب إيران بوقف نشاطاتها في مجال تخصيب اليورانيوم.

في 31 أيار/مايو 2006، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية رغبتها بالمشاركة مباشرة في المفاوضات النووية مع إيران، إلى جانب ممثلي الدول الأوروبية الثلاث، ثم انضم إليهم ممثلو روسيا والصين، وتشكلت بذلك المجموعة التي صارت تضم ممثلي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا.

في 23 كانون الأول/ديسمبر 2006، فرض مجلس الأمن أولى عقوباته على إيران، التي شملت منع بيعها أي مواد أو تقنيات يمكن أن تستفيد منها في نشاطاتها النووية والبالستية. ثم تتالى فرض العقوبات الدولية، إلى جانب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، والتي تأثرت بها كل القطاعات الاقتصادية في إيران، وبخاصة قطاعات الدفاع، والنفط، والمال والصحة. 

كانت إيران، في الوقت نفسه، تسير على طريق تطوير برنامجها النووي. وفي 11 نيسان/أبريل 2006، أعلن الرئيس أحمدي نجاد أن بلاده انضمت إلى أسرة الدول النووية بعد أن نجح علماؤها في تخصيب اليورانيوم بنسبة 5 ،3 في المئة، استناداً إلى 164 جهازاً للطرد المركزي. واستمرت إيران، خلال السنوات اللاحقة، في تشغيل المزيد من أجهزة الطرد المركزي، حتى بلغ عددها، في نهاية آب/أغسطس 2009،  8308  أجهزة . وكانت إيران قد نجحت، في تموز/يوليو 2008، في إطلاق أول صاروخ بعيد المدى باسم "شهاب 3 "، يصل مداه إلى 1500 كيلومتر.

 في 22 شباط/فبراير 2008، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية  تقريراً زعمت فيه أن برنامج إيران النووي يحمل "بعداً عسكرياً محتملاً"، ثم أعلنت، في نهاية أيار/مايو 2010، أن إيران أنتجت ما يقرب من ستة كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، ثم عادت وأعلنت، في أيلول/سبتمبر من السنة نفسها، أن إيران صارت تملك ما لا يقل عن 22 كيلوغراماً من اليورانيوم عالي التخصيب. وفي كانون الثاني/يناير 2012، شرعت إيران في تخصيب اليورانيوم في موقع فوردو.

وبخصوص سير المفاوضات، التي كانت تنقطع لفترات ثم تستأنف من جديد، توقفت الدول الكبرى، منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2009، عن مطالبة إيران بوقف تخصيب اليورانيوم، وتقدمت كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا بمقترح يقوم على تخصيب اليورانيوم الإيراني في الخارج. وفي الوقت نفسه، كانت تتصاعد التهديدات الأميركية، والإسرائيلية، بالقيام بالهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. ففي 10 كانون الثاني/يناير 2010، أعلن قائد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، الجنرال دافيد بتراوس، أن واشنطن وضعت مخططاً عسكرياً لاستهداف هذه المنشآت. وترافقت هذه التهديدات، مع عمليات اغتيال صارت، منذ كانون الثاني/يناير 2010، تستهدف العلماء النوويين الإيرانيين، وهي عمليات اتهمت الحكومة الإيرانية علماء "الموساد" الإسرائيلي بارتكابها.

كانت الحكومة الإيرانية تؤكد دوماً، طوال سير المفاوضات، أنها لا تنوي توجيه برنامجها النووي وجهة عسكرية، وتتسلح بفتوى أصدرها الإمام الراحل الخميني  بتحريم إنتاج القنابل النووية وأسلحة الدمار الشامل. بيد أن القوى الكبرى التي كانت تفاوضها ظلت تأخذ عليها امتلاكها، إلى جانب برنامجها المدني، قدرة إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب والبلوتونيوم، وهما مادتان يمكن استخدامهما في صنع القنابل النووية. وفي هذا الاتجاه، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، في شهر آذار/مارس 2013، أن إيران ستمتلك القنبلة النووية خلال أقل من عام.

انطلاقة جديدة للمفاوضات النووية

في شهر حزيران/يونيو 2013، فاز حسن روحاني، المقرّب من الإصلاحيين، في انتخابات الرئاسة الإيرانية، وأعلن، بعد يومين من تسلمه مقاليد السلطة، استعداده للشروع في مفاوضات جدية حول ملف بلاده النووي وعزمه على التوصل إلى اتفاق نهائي مع مجموعة الدول الست الكبرى حول هذا الملف. وفي منتصف آب/أغسطس من السنة نفسها، عيّن الرئيس روحاني علي أكبر صالحي، وزير الخارجية السابق والذي كان يمثل بلاده لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما بين عامَي 1997 و 2005، أي في عهد الرئيس محمد خاتمي، على رأس المنظمة الإيرانية للطاقة النووية، ثم قام، بعد بضعة أسابيع، بنقل مسؤولية التفاوض على الملف النووي من المجلس الأعلى للأمن القومي إلى وزارة الخارجية التي تسلمها محمد جواد ظريف. وكان واضحاً منذ بداية عهده أن الرئيس روحاني سيبذل كل ما في وسعه من أجل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده، والتي طالت صادرات النفط، وهي المورد الرئيس للدولة، وهو ما أدى إلى تراجع الإنتاج إلى حد كبير ليصل إلى الربع قياساً إلى مستواه الأصلي، وتسبب في نقص في احتياطي العملة الصعبة، الأمر الذي نجم عنه صعوبة استيراد المواد الأولية اللازمة لتشغيل المعامل، كمعامل السيارات، وإلى نقص في المواد الأساسية، كالأدوية. كما تسبب في خفض قيمة الريال الإيراني بنسبة 70 في المئة بالقياس إلى الدولار، وبلوغ نسبة التضخم 40 في المئة، ونسبة البطالة 30 في المئة.

ولم تكن الرغبة في التوصل إلى اتفاق نهائي لملف إيران النووي غائبة عن زعماء الدول الغربية المفاوضة، والتي صار همها، بعد أن أخفقت مساعيها في إرغام إيران على وقف تخصيب اليورانيوم، ضمان سلمية برنامجها النووي والحؤول دون قيامها بإنتاج القنبلة النووية.  فالرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي لا يريد  توريط بلاده في مغامرات عسكرية جديدة ويأمل في تحقيق إنجاز ديبلوماسي في فترة ولايته الثانية، ويتحسب من خطر المنظمات "الإسلامية" الإرهابية وامتداد نفوذها في المنطقة، كان حريصاً على التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، كما كانت حريصة على ذلك الدول الأوروبية الثلاث، الراغبة في فتح المجال أمام صادرات النفط والغاز الإيرانية، وفي فتح الأسواق الإيرانية أمام شركاتها الكبرى.

وبعد أقل من خمسة أشهر على انتخاب الرئيس حسن روحاني، أُعلن في جنيف، في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 ، عن توصل إيران والدول الست الكبرى إلى اتفاق مرحلي حول برنامج إيران النووي، على أن يتم التوصل  إلى اتفاق نهائي خلال سنة. وفي إطار ذلك الاتفاق المرحلي، قام الغربيون، في 20 كانون الثاني/يناير 2014، برفع جزئي للعقوبات المفروضة على إيران، بما يسمح لها بالحصول  على 700  مليون دولار  شهرياً من أرصدتها المجمدة. بيد أن المهلة التي حددت للتوصل إلى اتفاق نهائي لم تحترم، وتم تفاهم جديد يقضي بأن يتم التوصل إلى اتفاق/إطار في نهاية آذار/مارس 2015، يتبعه اتفاق نهائي قبل 30 حزيران/يونيو 2015.

وبعد ثمانية أيام من المفاوضات الشاقة في فندق بوريفاج في مدينة لوزان، تم التوصل بالفعل، في 2 نيسان/أبريل 2015 ، إلى اتفاق/إطار، جاء تحت اسم : "معايير خطة العمل المشتركة الشاملة الخاصة بالبرنامج النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وتضمن المعايير التي ينبغي على المتفاوضين الالتزام بها من أجل صياغة اتفاق نهائي .

وقد واجه اتفاق/الإطار معارضة شديدة من أنصار المحافظين في إيران، الذين رأوا أن إيران قدمت تنازلات كبيرة، لم يخفف من حدتها سوى تمسك المرشد الأعلى للثورة بموقفه الداعم للمفاوضات. كما واجه اتفاق/الإطار انتقادات شديدة من جانب أعضاء مؤثرين في الكونغرس الأميركي، الذي أصبح تحت سيطرة الجمهوريين، والذين طالبوا بفرض عقوبات جديدة على إيران، كما نجحوا، في 14 نيسان/أبريل، في تمرير مشروع قرار يجبر الرئيس باراك أوباما على منح الكونغرس ستين يوماً لبحث أي اتفاق حول النووي الإيراني، ومعارضته.

مضمون اتفاق فيينا النهائي

في 14 تموز/يوليو 2015، وبعد 22 شهراً من التفاوض المضني، أعلن المتفاوضون في فيينا التوصل إلى اتفاق نهائي يضمن سلمية برنامج إيران النووي، من خلال وضع نظام رقابة صارم، ويحول دون تمكينها، خلال عشر سنوات على الأقل، من إنتاج قنبلة نووية إن رغبت قيادتها في ذلك، وهو أمر دأبت هذه القيادة على نفيه.

فاتفاق فيينا يقيم، في نظر الخبراء الغربيين، سداً أمام طريقين كان في وسع إيران انتهاجهما لبناء ترسانة نووية.

تحديد  تخصيب اليورانيوم

كان في إمكان إيران، بحسب هؤلاءالخبراء،  تخصيب كمية من اليورانيوم بنسبة 90 في المئة، خلال بضعة أسابيع فقط، تكفيها لإنتاج قنبلة نووية أو أكثر. فجاء اتفاق فيينا ليسد عليها هذه الطريق إن حاولت انتهاجها.

فهي وافقت على سحب ثلثي أجهزة الطرد المركزي المقدر عددها  بـ 19000، والحفاظ على أكثر من 5000 بقليل في موقع تخصيب اليورانيوم  في ناتنز، وذلك لمدة عشر سنوات. كما وافقت على ألا تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من 67،3 في المئة  لمدة لا تقل عن 15 عاماً، وعلى تقليص حجم مخزونها من غاز اليورانيوم بما لا يتعدى 300 كغ . أما موقع فوردو القائم عميقاً تحت الأرض، فهو لن يضم سوى بضع مئات من أجهزة الطرد المركزي، التي ستستخدم في مجال البحث العلمي. 

ويعتقد الغربيون أن إيران، بوجود كل هذه القيود، ستحتاج إلى سنة على الأقل لإنتاج اليورانيوم اللازم لصنع القنبلة النووية - إذا ما قررت الإخلال بتعهداتها - وهي فترة كافية، في نظرهم، لكشف نواياها والعودة من جديد إلى التدابير الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية للوقوف في وجهها.

تحديد إنتاج البلوتونيوم

يمثّل البلوتونيوم المادة الثانية التي يمكن استخدامها لإنتاج قنبلة نووية، وهو، خلافاً لليورانيوم، لا يوجد في الطبيعة، وإنما ينتج في قلب المفاعلات النووية. وقد أقامت إيران مفاعلاً في آراك يعمل بالماء الثقيل، ويمكنه أن ينتج 8 كيلوغرامات من البلوتونيوم في السنة، وهي كمية تكفي نظرياُ لإنتاج قنبلتين. وينص اتفاق فيينا على إعادة تصميم هذا المفاعل، بحيث لا  يكون قادراً على إنتاج أكثر من كيلوغرام واحد في السنة، على أن تتشكل  لجنة دولية مختصة برئاسة الصين تكون مهمتها إعادة تصور آلية عمل هذا المفاعل. كما التزمت طهران بعدم بناء مفاعلات جديدة تعتمد الماء الثقيل خلال مدة 15 عاماً، وعلى نقل كل كمية الوقود النووي الذي أنتجته إلى الخارج.

تعزيز عمليات الرقابة والتفتيش

كان بند الرقابة والتفتيش من أكثر بنود الاتفاق تعقيداً في المفاوضات. وفي النهاية، اتُفق على تطبيق نظام تفتيش صارم على المنشآت النووية الإيرانية طوال مدة سريان الاتفاق، بحيث يتمتع مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحرية الوصول المنتظم إلى كل المنشآت النووية وإخضاعها لمراقبة مستمرة، بما يمكنهم من تتبع إنتاج اليورانيوم خطوة خطوة، منذ لحظة استخراجه حتى لحظة تحويله إلى غاز وتخزينه، ومراقبة عمليات صنع أجهزة الطرد المركزي وتشغيلها. كما تم الاتفاق على أن يُسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية القيام بزيارات "محدودة" إلى بعض المواقع العسكرية، خلال مدة 24 يوماً بعد إشعار السلطات الإيرانية بذلك، وذلك في إطار البروتوكول الإضافي لمعاهدة الحد من الانتشار النووي، الذي التزمت إيران باحترامه والمصادقة عليه.

رفع العقوبات وإعادة الأرصدة المجمدة

نص الاتفاق النهائي على أن تعلق العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وطاولت القطاع المالي، وقطاع الطاقة وقطاع النقل، حالما تلتزم إيران بتعهداتها، بعد صدور تقرير عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية يؤكد ذلك؛ وهو ما قد يحصل في مطلع سنة 2016. وسيتخذ الإجراء نفسه لرفع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي في القرارات السبعة التي أقرها منذ سنة 2006. بينما ستبقي الولايات المتحدة الأميركية على العقوبات التي فرضتها على إيران تحت بند "دعم الإرهاب" و"انتهاك حقوق الإنسان".

ومن جهة أخرى، سيترافق رفع العقوبات الاقتصادية التدريجي مع إعادة أرصدة إيران المجمدة في البنوك الأجنبية والتي تزيد، بحسب بعض التقديرات، على 100 مليار دولار.

الحفاظ على الحظر المفروض على الأسلحة 

سيستمر الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على توريد الأسلحة الهجومية لإيران لمدة خمس سنوات بعد إقرار الاتفاق، كما ستبقى العقوبات المفروضة على إيران في مجال استيراد وتصنيع الصواريخ البالستية لمدة ثماني سنوات.

ردات الفعل على الاتفاق

"إنها إشارة أمل للعالم بأسره"، قالت فريدريكا موغريني وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، وهي تعلن عن التوصل إلى الاتفاق، وأضافت: إنه "يفتح فصلاً جديداً في تاريخ العلاقات الدولية". أما شريكها في الإعلان عن الاتفاق، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، فقد رأى في توقيعه "لحظة تاريخية"، تظهر "أن الاستثمار البناء في المفاوضات فعال". بينما توقع الرئيس حسن روحاني أن يفتح حل الأزمة النووية الإيرانية  فصلاً جديداً من التعاون مع العالم بعد سنوات من العقوبات، وقال في كلمة متلفزة أن إيران "لن تسعى بتاتاً لحيازة السلاح النووي"، معتبراً أن الاتفاق "نقطة انطلاق" لبناء الثقة بين إيران والغرب.

أما الرئيس باراك أوباما، الذي كسب رهانه على الدبلوماسية، فقد دافع في مؤتمر صحافي خاص في البيت الأبيض، في 15 تموز/يوليو 2015، عن الاتفاق مؤكداً أنه "يسد كل مسار من المسارات التي كان يمكن لإيران سلوكها بهدف الحصول على قنبلة نووية"، وهو "يتماشى مع مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها، ويمثل فرصة تاريخية ربما لن تتكرر خلال هذا العصر لجعل العالم مكاناً أكثر أماناً". وبعد أن أشار إلى أن منتقدي الاتفاق لم يطرحوا أي بديل أفضل له، أقر بأن الاتفاق لا يطالب إيران بتغيير سياساتها، بل ستبقى هناك خلافات جوهرية بين بلاده وإيران بعد توقيعه. وأضاف أنه يتفهم مخاوف إسرائيل المشروعة، لكنه يعتقد أن "التهديد الإيراني تجاه إسرائيل كان سيتضاعف في حال حصول إيران على أسلحة نووية". كما أشار إلى أنه "يتفهم أيضاً قلق السعودية ودول الخليج من المحاولات الإيرانية لإثارة النزاعات في المنطقة".

ومن جهته، رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوقيع الاتفاق معتبراً "أن العالم تنفس اليوم الصعداء"، وذكر بيان رئاسي أن الاتفاق "يعتمد على القانون الدولي، وبالدرجة الأولى على معاهدة منع الانتشار النووي واتفاقية ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك البروتوكول الإضافي". بينما أشار وزير خارجيته، سيرغي لافروف، إلى أن روسيا ستشارك بنشاط في الإجراءات العملية لتطبيق الاتفاق، في إشارة إلى مشروعين أحدهما يتعلق بنقل اليورانيوم المنخفض التخصيب من إيران إلى الأراضي الروسية، وذلك مقابل توريدات اليورانيوم الطبيعي؛ والثاني يتعلق بإعادة تأهيل منشأة تخصيب اليورانيوم في فوردو وتحويلها إلى منشأة لإنتاج النظائر المستقرة للأغراض الطبية والصناعية. ورأى لافروف أن الاتفاق سيزيل "العراقيل" أمام تشكيل تحالف دولي واسع في مواجهة تنظيم "داعش".

وبينما رحبت دول عربية عديدة، على رأسها سورية والعراق، بالاتفاق، وعبرت مصر عن ترحيب حذر بتوقيعه، تفاوتت ردات فعل دول مجلس التعاون الخليجي إزاءه، فرحبت به كل من  سلطنة عمان والكويت لحظة الإعلان عن توقيعه، بينما تأخر ترحيب كل من  من البحرين والإمارات وقطر به، في حين أعلن وزير الخارجية السعودي، في مؤتمر صحافي عقده في القاهرة مع وزير الخارجية المصري، في 23 تموز/يوليو الجاري، أن بلاده ترحب " بأي اتفاقية تضمن عدم قدرة إيران على امتلاك السلاح النووي"، لكنه أشار إلى أن "المشكلة التي نواجهها هي تدخل إيران في شأن دول المنطقة، وبأعمال الشغب التي تقوم بها".

ردة الفعل الإسرائيلية

كانت ردة الفعل الإسرائيلية الأكثر صخباً في معارضة الاتفاق. فقد رأى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الاتفاق "خطاً تاريخياً بحق العالم"، معتبراً أنه "يستحيل منع اتفاق حينما يكون المتفاوضون على استعداد لتقديم تنازلات لمن يهتف خلال المباحثات: "الموت لأميركا" "، وأن إيران "ستتسلم مئات المليارات من الدولارات، التي ستسمح لها بتشغيل آلة الإرهاب والعدوان والتوسع في الشرق الأوسط وفي العالم بأسره". وأضاف: "إننا علمنا جيداً أن الرغبة لتوقيع هذا الاتفاق أقوى من كل شيء. لذلك تعهدنا بمنع الاتفاق. لقد تعهدنا بمنع إيران من التزود بسلاح نووي، وتعهدنا هذا ما زال قائماً. وأنا أقول لكل القادة في إسرائيل حان الوقت لوضع السياسات الصغيرة جانباُ والتوحد خلف الموضوع الأكثر مصيرية لمستقبل وأمن دولة إسرائيل". أما وزير دفاعه موشي يعلون، فقال: "العالم الحر منح اليوم مشروعية لطريق الإرهاب بدلاً من محاربته بكل السبل الممكنة". بينما اعتبرت نائبة وزير الخارجية، تسيبي حوتبولي، أن الاتفاق "اتفاق خنوع تاريخي من جانب الغرب لمحور الشر برئاسة إيران".

ومع أن أوساط المعارضة الإسرائيلية عبرت بدورها عن رفضها الاتفاق، فإن بعض مسؤوليها شن حملة على بنيامين نتنياهو لأنه فشل في منع توقيع الاتفاق، وبخاصة بعد أن اختار، كما ذكروا، المواجهة مع الإدارة الأميركية وتسبب في منع إسرائيل من التأثير في المفاوضات. بيد أن رئيس اللجنة الإسرائيلية للطاقة الذرية سابقاً، عوزي عيلام، أقر أن اتفاق فيينا ينطوي على ضمان ألا تنتج إيران أسلحة نووية خلال العقد القريب في أقل تقدير. وأكد في مقابلة، أجرتها معه الإذاعة الإسرائيلية "ريشت بيت" يوم 15 تموز/يوليو، أنه "حتى لو قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بشن هجوم عسكري على إيران لما كانت هذه الخطوة ستؤخر برنامج طهران النووي سوى لفترة قصيرة فقط"، مؤكداً قناعته أن الإيرانيين "لا يهدفون إلى تطوير قنبلة نووية بل يكتفون بمكانة دولة عتبة نووية".

وبينما اتفقت الحكومة الإسرائيلية والقوى المعارضة لها على رفض الاتفاق، أعلنت "القائمة العربية المشتركة" في الكنيست ترحيبها به باعتباره "انتصاراً لإرادة الشعب الإيراني والنضال من أجل إزالة الحصار والعقوبات عن دولته ورفضه الخضوع للإملاءات الدولية"، داعية إلى أن يسري نزع السلاح النووي على إسرائيل التي ترفض توقيع المعاهدات الدولية لحظر انتشار السلاح النووي، وإلى إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي ومن أسلحة الدمار الشامل، ومؤكدة أن "أهداف معارضة إسرائيل [للاتفاق] هي البقاء دولة وحيدة ذات قوة نووية في المنطقة، وصرف أنظار الأسرة الدولية عن الاحتلال الذي هو مصدر التوتر وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط".

الخيار الممكن الأمثل: صيغة "كاسب ، كاسب"

إن الاتفاق هو الخيار الممكن الأمثل. وهو صيغ  بلغة تجعل كل طرف يصرخ بأنه ربح. هذا هو رأي معظم المحللين الموضوعيين في الاتفاق.

فإيران كسبت الاعتراف الدولي بنظامها السياسي وبدورها كقوة فاعلة في الإقليم، وبحقها في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، مثبتة، أمام الدول النامية، أن من الممكن الانعتاق من قبضة الدول الغربية التي تريد الحفاظ على احتكارها للتقدم التقني والعلمي. كما كسبت فك عزلتها الدولية ورفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، وهو ما سيسمح بتعزيز دينامية اقتصادها وتطويره، لا سيما وأنها تمتلك المورد الأهم، وهو القوة البشرية، كما تمتلك ثاني احتياطي عالمي من الغاز ورابع احتياطي عالمي من النفط، وتختزن  احتياطات كبيرة من النحاس، والحديد، والألمنيوم، والزنك والقصدير. كما أنها تتشارك الحدود مع بلدان عديدة، وفي وسعها  بالتالي أن تتحوّل بسهولة إلى واحدة من الدول الصاعدة.

ويمكن القول إن إيران قد توصلت إلى اتفاق سيضمن لها، في حال تطبيقه، هذه المكاسب، بفضل كفاءة مفاوضيها، وعلى رأسهم وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، الذي مارس، طوال فترة رئاسته للوفد الإيراني المفاوض، ما أُطلق عليه اسم "الدبلوماسية الباسمة "، ووصفه بعض المعلقين الغربيين بأنه "أنجح دبلوماسي حظيت به إيران منذ الثورة". كما تم التوصل إلى هذا الاتفاق بفضل التكتيك المتميز الذي اتبعه المفاوض الإيراني، والذي سمح لإيران بكسب الوقت لتطوير برنامجها النووي على قاعدة سياسة الأمر الواقع، والدفاع عن حقها في تخصيب اليورانيوم. فمع استمرارها في التأكيد على سلمية نشاطاتها النووية، سعت إيران إلى إطالة أمد المفاوضات، لتحصل في نهاية المفاوضات على ثمن أفضل بكثير من الثمن الذي عرض عليها في بدايتها. كما لجأت إلى إقامة تعاون في المجال النووي مع بعض الدول الصاعدة، وبخاصة مع أفريقيا الجنوبية والبرازيل.

كما يمكن للغرب، الذي توصل إلى قناعة بأنه لا طريق أمامه سوى الدبلوماسية وأن  الضربة العسكرية ستؤخر فقط وصول إيران إلى القنبلة النووية التي باتت قادرة تكنولوجياً على إنتاجها، يمكنه  أن يدعي أنه خرج كاسباً لأنه قلص حجم برنامج إيران النووي وجمد تطوره لعشر سنوات قادمة، وفرض رقابة دولية مشددة عليه، وحد من مخاطر الانتشار النووي في المنطقة، وساهم في ضمان أمن حلفائه في المنطقة، وفي مقدمهم إسرائيل.

العقبات أمام تطبيق الاتفاق

اتخذ مجلس الأمن الدولي، في 20 تموز/يوليو 2015، قراراً تبنى فيه بالإجماع اتفاق فيينا، بما يفتح الباب أمام رفع تدريجي للعقوبات على إيران، وإلغاء سبعة قرارات دولية في هذا الخصوص منذ سنة 2006. وسينتظر مجلس الأمن تقريراً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد فيه أن برنامج إيران النووي "بات سلمياً بالكامل" كي يقوم بإلغاء هذه القرارات السبعة، علماً بأن إجراءات الحظرالدولي على بعض أنواع الأسلحة ستبقى سارية لمد ثماني سنوات، وبخاصة بالنسبة للصواريخ البالستية.

بيد أن تنفيذ اتفاق فيينا لا يزال يحتاج، بعد صدور هذا القرار عن مجلس الأمن، إلى موافقة البرلمان الإيراني، من جهة، والكونغرس الأميركي، من جهة ثانية، حتى يأخذ طريقه الفعلي إلى التطبيق.

ويحتمل أن تكون قضية الحظر على الصواريخ البالستية من التعقيدات التي سيواجهها تنفيذ الاتفاق، إذ يرفض المسؤولون الإيرانيون شمول قرار مجلس الأمن البرنامج البالستي، وهو ما أكد عليه وزير الدفاع الإيراني، الذي أشار إلى أن بلاده ستواصل تصميم برنامجها البالستي، وما أكد عليه رئيس الحرس الثوري، الذي اعتبر  أن قرار مجلس الأمن يتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها المرشد الأعلى للثورة.

ومع أن صدور قرار مجلس الأمن سيعطي قوة دفع يستفيد منها الرئيس باراك أوباما لتمريره، إلا أنه من المتوقع أن تواجه إدارته معارضة شديدة من جانب الكونغرس الخاضع لسيطرة الجمهوريين، كما ستواجه معارضة حازمة من جانب الحكومة الإسرائيلية، علماً بأن  استطلاعات الرأي العام تدل على أن أغلبية شعبية في الولايات المتحدة تؤيد الاتفاق: 59 في المئة أعلنوا دعمهم له في مقابل 31 في المئة عارضوه.

وكان أوباما قد حذر الكونغرس من اتخاذ قرار "غير مسؤول" برفض الاتفاق، مؤكداً أنه سيستخدم الفيتو الرئاسي في حال محاولة عرقلة الاتفاق. كما عرض على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال مكالمة هاتفية أجراها معه يوم 14 تموز/يوليو، الشروع في مفاوضات مباشرة حول تحسين قدرات الجيش الإسرائيلي الهجومية والدفاعية عقب توقيع اتفاق فيينا.

تداعيات الاتفاق المحتملة

تتفاوت آراء المحللين بخصوص التداعيات التي يمكن أن تكون لهذا الاتفاق. وهي تداعيات يمكن تصنيفها ضمن مجموعات ثلاث: تداعيات اقتصادية، وتداعيات سياسية، وتداعيات على الداخل الإيراني.

فعلى الصعيد الاقتصادي، يتفق المحللون عموماً على أن الاتفاق سيترك تداعيات كبيرة على أسواق الطاقة العالمية، برفع القيود المفروضة على تصدير الاحتياطات الإيرانية الهائلة من النفط والغاز ، متوقعين أن تبقى أسعار النفط منخفضة خلال سنوات 2015-2020، وأن تحتدم المنافسة الدولية في هذين القطاعين. كما يتفق المحللون على أن الشركات الغربية الكبرى ستتسابق على الأسواق الإيرانية الواسعة  لكسب الاستثمارات وتصريف منتجاتها فيها.

أما على الصعيد السياسي، فتبرز، بين المحللين، وجهتا نظر رئيسيتان:

واحدة  ترى أن تسوية فيينا يمكن أن تشكل الخطوة الأولى على طريق تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، التي انقطعت في سنة 1980 بعد عملية احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية في طهران، بما يفتح المجال أمام قيام تعاون بين واشنطن وطهران لإيجاد حلول لأزمات المنطقة ومواجهة الخطر الإرهابي المتعاظم. وتستند وجهة النظر هذه إلى رغبة إيرانية في الانفتاح على المجتمع الدولي وعلى الغرب عبّر عنها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بقوله: "نحن على استعداد لفتح آفاق جديدة لمواجهة التحديات الكبيرة والمشتركة. فاليوم، التهديد المشترك هو تهديد تطور التطرف العنيف والبربرية من دون حدود... ومن أجل مواجهة هذا التحدي، لا بد من مقاربات جديدة". كما تستند إلى رغبة أميركية عبر عنها باراك أوباما، الذي لا يريد إرسال قوات أميركية برية إلى الشرق الأوسط، ويريد الاستناد إلى قوة إيران العسكرية لضمان استقرار هذه المنطقة، لا سيما في مواجهة الإرهاب المتنامي الذي يمثله تنظيم "داعش".

وواحدة  ترى أن خلافات عميقة ستبقى قائمة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران فيما يتعلق بسياسات النظام الإيراني الداخلية وبصراع النفوذ في الشرق الأوسط، وأن زيادة قوة إيران الاقتصادية سيؤجج هذا الصراع ولن يحد منه.

على صعيد الداخل الإيراني، يعتقد بعض المحللين أن الثقة بالنفس التي صارت تمتلكها القيادة الإيرانية وتنامي شعبيتها، بعد توقيع الاتفاق، ستدفعها  إلى انتهاج طريق الإصلاح السياسي وإلى اتخاذ مواقف أكثر انفتاحاً؛ بينما يستبعد آخرون أن تقدم هذه القيادة على هذا الانفتاح وأن تلجأ إلى سياسة داخلية أكثر صرامة، وأن يحتدم الصراع أكثر بين الإصلاحيين والمحافظين على أبواب التحضير  للانتخابات البرلمانية التي ستجري في 26 شباط/فبراير 2016.

ومهما يكن، يبقى أن اتفاق فيينا قد مثّل إنجازاً تاريخياً، وأثبت أن انتهاج الطريق الدبلوماسي يمكن أن يكون مثمراً عندما تتم مراعاة مصالح كل الفرقاء. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، وبغض النظر عن الأهمية التاريخية لهذا الاتفاق، وعما ستكون له من تداعيات، تبقى هناك حقيقة لا مجال للالتفاف حولها وهي أنه طالما لم يتم إيجاد حل عادل ودائم للصراع العربي الإسرائيلي، وفي القلب منه القضية الفلسطينية، وطالما ظلت إسرائيل تحتفظ وحدها بأفضلية امتلاك السلاح النووي، سيظل الشرق الأوسط منطقة ملتهبة ومتفجرة ومرتعاً لنمو التطرف والإرهاب، وسيظل العرب، والفلسطينيون بوجه خاص، يشعرون بأن المجتمع الدولي يمارس إزاءهم سياسة "الكيل بمكيالين".

 

المراجع:

- نشرة "مختارات من الصحف العبرية"، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، ما بين 15 و 23 تموز 2015.

- مقالات صحافية منشورة في صحيفتي "السفير" البيروتية، و "الحياة" اللندنية، ما بين 15 و 23 تموز 2015.

- مقالات صحافية منشورة في صحيفة "لوموند" الباريسية، ما بين 15 و 17 تموز 2015.

- مقالات مراسل وكالة الصحافة الفرنسية في فيينا كارلوس باريا غداة توقيع الاتفاق.  

- مارجوري بوردس " كيف تفاوض إيران؟ بازار دبلوماسي أو فن تفاوضي إيراني؟"، المجلة الجيوسياسية الالكترونية، 16 تشرين الثاني 2014 (بالفرنسية).

- موقع "إبدو مغازين" ، العدد 3010، 17 تموز 2015 (بالفرنسية).

- برنار هوركاد،"الاتفاق حول النووي الإيراني: مفتاح لفتح أي باب؟"، موقع أوريان 21  الإلكتروني، 14 تموز 2015 (بالفرنسية).

عن المؤلف: 

ماهر الشريف: باحث متفرغ في مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت.