"الشعب قرر الإضراب"، هذا ما صاح به القائد والشاعر الفلسطيني توفيق زياد في وجه الذين اعترضوا من رؤساء المجالس المحلية على تنظيم الإضراب العام الذي قررته في الثلاثين من آذار 1976 "لجنة الدفاع عن الأراضي"، وذلك للرد على توجه الحكومة الإسرائيلية لمصادرة 20000 دونم من أراضي منطقة المثلث وآلاف الدونمات الأخرى في سخنين وعرابة ودير حنا. وكان توفيق زياد، الذي أصبح اسمه مرتبطاً بـ "يوم الأض"، قد حقق، يوم 9 كانون الأول (ديسمبر) 1975، فوزاً تاريخياً كبيراً في انتخابات رئاسة المجلس البلدي لمدينة الناصرة، وهو الموقع الذي ظل يشغله حتى رحيله المبكر في سنة 1994.
وبفضل تصميم أعضاء "لجان الدفاع عن الأراضي" من الشيوعيين وغيرهم من الوطنيين، وإصرارهم على الوقوف في وجه كل محاولات كسر الإضراب التي شجعتها السلطات الصهيونية، نجح الإضراب العام، الذي سقط خلال المظاهرات الشعبية التي تخللته ستة شهداء، نجاحاً باهراً، وأصبح معلماً بارزاً من معالم مسيرة الشعب الفلسطيني النضالية.
وتكمن الأهمية التاريخية لذلك "اليوم" في كونه قد جعل منظمة التحرير الفلسطينية تكتشف الطاقات النضالية الكبيرة التي تختزنها الأقلية القومية العربية الفلسطينية في إسرائيل، والدور الكبير الذي يمكنها الاضطلاع به في النضال الوطني الفلسطيني العام، إذا ما تمت مراعاة خصوصية أوضاعها واحترمت هيئاتها التمثيلية والقوى السياسية المعبرة عنها .
فبعد سنة على أحداث "يوم الأرض"، انعقدت في القاهرة، في آذار (مارس) 1977، الدورة الثالثة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، التي طورت شعار "السلطة الوطنية" بتبنيها هدف إقامة "الدولة الوطنية المستقلة"، واعتبرت، في توصيات لجنة شؤون الوطن المحتل المنبثقة عنها، أن قضية الدفاع عن الأرض "هي واجب وطني مقدس لا بد أن يحظى بالأولوية في اهتمامات منظمة التحرير الفلسطينية، وأن يجري تقديم أوسع الدعم لنضالات شعبنا المناهضة للممارسات الصهيونية العنصرية "، داعية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى "اعتبار يوم الأرض يوماً فلسطينياً للتضامن مع نضال شعبنا في الوطن المحتل"، و "يوماً عربياً تشارك فيه الجماهير العربية وتتضامن مع نضال شعبنا ". كما أكد المجلس الوطني الفلسطيني، في دورته تلك، في البند الرابع عشر من إعلانه السياسي، ولأول مرة، "أهمية العلاقة والتنسيق مع القوى اليهودية الديمقراطية والتقدمية في داخل الوطن المحتل وخارجه، التي تناضل ضد الصهيونية كعقيدة وممارسة".
ولم يكن انفتاح منظمة التحرير الفلسطينية على الفلسطينيين في إسرائيل وتقديرها نضالاتهم، منذ ذلك الحين، يسير في اتجاه واحد، بل قابله، في الواقع، انفتاح هؤلاء الفلسطينيين على المنظمة وتضامنهم الكامل معها، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ودعمهم نضالها الرامي إلى ضمان حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، وهو ما جعل الدوائر الإسرائيلية الحاكمة تتخوف من تعمق العلاقات بين منظمة التحرير الفلسطينية وممثلي الفلسطينيين في إسرائيل، ودفع الكنيست إلى المصادقة، في نهاية سنة 1980، على قانون يحظر أي اتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية.
فتحية إلى صنّاع "يوم الأرض"، وعلى رأسهم القائد الفلسطيني الراحل توفيق زياد، وإلى ذكرى شهدائه الستة.
من أشعار توفيق زياد
بأسناني ، |
سأحمي كلّ شبرٍ من ثرى وطني |
بأسناني . |
ولن أرضى بديلاً عنه |
لوعُلّقت |
من شريان شرياني . |
أنا باقٍ |
أسير محبتي .. لسياج داري ، |
للندى .. للزنبق الحاني . |
أنا باقٍ |
ولن تقوى عليّ |
جميع صُلباني |
أنا باقٍ |
لآخذكم .. وآخذكم .. وآخذكم |
بأحضاني |
بأسناني |
سأحمي كلّ شبرٍ من ثرى وطني |
بــــــأســـــنـــــانــــــي |
*******
كأننا عشرون مستحيل |
في اللد، والرملة، والجليل |
هنا .. على صدوركم ، باقون كالجدار |
وفي حلوقكم |
كقطعة الزجاج ، كالصبار |
وفي عيونكم |
زوبعة من نار |
هنا .. على صدوركم ، باقون كالجدار |
نجوع .. نعرى .. نتحدى |
ننشد الأشعار |
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات |
ونملأ السجون كبرياء |
ونصنع الأطفال .. جيلا ثائرا .. وراء جيل |
كأننا عشرون مستحيل |
في اللد ، والرملة ، والجليل |
إنا هنا باقون |
فلتشربوا البحرا |
نحرس ظل التين والزيتون |
ونزرع الأفكار ، كالخمير في العجين |
برودة الجليد في أعصابنا |
وفي قلوبنا جهنم حمرا |
إذا عطشنا نعصر الصخرا |
ونأكل التراب إن جعنا .. ولا نرحل |
وبالدم الزكي لا نبخل .. لا نبخل .. لا نبخل |
هنا .. لنا ماض .. وحاضر .. ومستقبل |
كأننا عشرون مستحيل |
في اللد ، والرملة ، والجليل |
يا جذرنا الحي تشبث |
واضربي في القاع يا أصول |
أفضل أن يراجع المضطهد الحساب |
من قبل أن ينفتل الدولاب |
لكل فعل رد فعل:- ... إقرأوا ما جاء في الكتاب |
*******
فلتسمع كل الدنيا ... فلتسمع |
سنجوع .. ونعرى |
قطعا .. نتقطع |
ونسفّ ترابك |
يا ارضا تتوجع |
ونموت .. ولكن |
لن يسقط من أيدينا |
علم الأحرار المشرع |
لكن .. لن نركع |
للقوة .. للفانتوم ... للمدفع |
لن نخضع |
لن يخضع منا |
حتى طفل يرضع |