The Palestinian-Israeli Dialogue, From the Intifada to the Negotiations
Keywords: 
عملية السلام
مفاوضات السلام
النزاع العربي – الإسرائيلي
Full text: 

"فضلاً، أخبريني أي طريق أسلك من هنا؟"

"هذا يعتمد إلى حد كبير على المكان الذي ترغبين في الوصول إليه"، أجابت القطة.

"إنني لا أهتم كثيراً أين - - -"، قالت أليس،

"طالما أنني أصل إلى مكان ما"، أضافت أليس موضحة.

"من المؤكد أنك ستبلغين مكاناً ما إذا مشيت بما فيه الكفاية"، قالت القطة.

                                                                                                                مغامرات أليس في بلاد العجائب

 

مقدمة

ليس الغرض من هذا المقال إبراز تاريخ الحوار الإسرائيلي – الفلسطيني، أو محاولة لتحليل التغيرات التي طرأت لدى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي خلال العقد الأخير. كما أن المقال ليس دراسة للدور الذي قام مختلف فئات المجتمع الفلسطيني به في النضال المستمر لتحقيق تقرير المصير وإقامة الدولة، ولا هو تقرير بمدى نجاح أو فشل ما يسمى "الثورة الفلسطينية".

الغرض هو محاولة للتأمل في الجهود المحمومة في أوساط المثقفين الفلسطينيين والمتمثلة في إخضاع نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرير لمتطلبات "معركة" العلاقات العامة بهدف كسب الإدارة الأميركية في الدرجة الأولى، وكسب عقول وعواطف الجمهور الإسرائيلي في الدرجة الثانية. وفي متابعة هذه اللعبة، أظهر المثقفون استعداداً للتنازل والوصول إلى حل وسط حتى قبل أن يأخذ الطرفان مواقعهما حول طاولة المفاوضات، وذلك استناداً إلى الاعتقاد المغلوط فيه أن الحوار في طبيعته يؤدي إلى تعديل توازن القوى غير الملائم، أو ربما ترجيح الكفة الفلسطينية فيه.

في السياق

              في كانون الثاني/ يناير 1991، عقد اجتماع في فندق النوتردام في القدس – الموقع الذي أُخذ في اعتباره أرضاً محايدة بين القدس العربية والقدس اليهودية – تحدثت فيه شولاميت ألوني، زعيمة حزب "راتس" المؤيدة لقيام الدولة الفلسطينية، والمشاركة في الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية. وكان بين الحاضرين القليلين نسبياً ومعظمهم من الفلسطينيين، عدد من الأشخاص الذين شاركوا في محاورة الإسرائيليين على مدى أعوام. وكان هناك إجماع غير معلن يتمثل في الشعار القائل: "شعبان ودوللتان"، ويبدو أنه يبشر بوعود ذهبية للمستقبل. إلا إن هشاشة تلك الآمال تأكدت من خلال النغمة النشاز التي أضفتها أزمة الخليج على الاجتماع ومن خلال نغمة الخيبة التي غلبت على الحاضرين من الإسرائيليين، بمن فيهم المتحدثة نفسها، الذين لاموا نظراءهم الفلسطينيين على "الدعم الفلسطيني" للعراق.

أعاد هذا الحدث إلى ذهني لقاء كان قبل 23 عاماً بيني وبين شاب إسرائيلي أكاديمي في بيته في القدس الغربية. وكان الشاب ينتمي إلى نفر قليل من الإسرائيليين الذين نادوا بشجاعة، وخلافاً لإجماع الأغلبية الساحقة من الصهيونيين، بوضع حد للاحتلال، ودعم الحق الفلسطيني في الكفاح المسلح. أمضينا ساعتين في نقاش شؤون الساعة، وبالتحديد في ما بدا يومها من أن العالم العربي يحمل في طياته بشائر فورات وانتفاضات اجتماعية وسياسية: كان تشي غيفارا قد قُتل حديثاً على أيدي القوات الأميركية في بوليفيا، وكان صدى نداءاته بإيجاد بؤر فيتنامية أُخرى لا يزال يُسمع في أطراف المعمورة، ويستحوذ خيال الناس في الشرق والغرب.

ولم يحدث خلال النقاش أن تطرقنا مرة واحدة إلى إمكان حل النزاع ضمن حدود فلسطين الجغرافية الضيقة. فقد بدا واضحاً أن الصراع بين العرب والإسرائيليين كان جزءاً من محاولة الجماهير العربية لاقتلاع سيطرة الإمبريالية الغربية والفئة البورجوازية الحاكمة التي كانت تستولي على ثروة العالم العربي بصفة شركاء صغار في نظام رأسمالي عالمي نخِر في طريقه إلى البوار المحتوم. أما حل مشكلات التخلف والفقر والتبعية فيأتي نتيجة التغير الاجتماعي الذي يشمل المنطقة بأسرها، بما فيها إسرائيل، جاعلاً منها ومن شعبها جزءاً من المشرق الاشتراكي بدلاً من كونها قاعدة أجنبية وجسماً غريباً في المنطقة. وأما الثورة الفلسطينية المفعمة بالآمال والقائمة على أنقاض هزيمة الأنظمة العسكرية سنة 1967، فهي المحفِّز الذي سيشمل العالم العربي.

وعوضاَ من ذلك، وصلنا إلى حوار فلسطيني – إسرائيلي يهدف إلى تطبيع وجود إسرائيل في المنطقة بشروطها الخاصة، بينما تستمر الجماهير العربية أسيرة الأنظمة السياسية العربية التي يستند استمرار وجودها إلى التدخل العسكري الأميركي. وربما كانت هذه العملية النتيجة الحتمية لاتفاق كامب ديفيد وانسحاب مصر من المواجهة. إضافة إلى عدم قدرة العامل المحفِّز على إشعال الجمر الذي ما زال يشاهد في العالم العربي بأسره، بما في ذلك القاهرة، والرباط، والجزائر، وتونس، والخرطوم.

إن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة (الأمر الذي يبدو ضئيل الإمكان) ليست بالثمن الباهظ، سواء بالنسبة إلى إسرائيل أو بالنسبة إلى الأنظمة العربية المجاورة، في حين أنها بالنسبة إلى الفلسطينيين أنفسهم ومن دون شك تتويج لنضال أربعين  عاماً من أجل نيل مكانهم المشروع في المنطقة، حيث ما زال مبدأ القرن التاسع عشر الأوروبي للدولة من الوصايا السماوية. إلا إن قيام الدولة لا يُبشر باقتراب العهد الذهبي المنشود؛ فالمشكلات التي ما زالت، منذ نهاية الاستعمار الشكلية، وبالاً على المنطقة، وأقلها دولة إسرائيل التي هي في المنطقة لكنها ليست منها، ستبقى بلا حل.

لمحة تاريخية

              قبل أن تنشب حرب 1967 بأيام، نشرت جماعتان صغيرتان، الجبهة الديمقراطية الفلسطينية والمنظمة الاشتراكية الإسرائيلية، بياناً مشتركاً بشأن ما كان يسمى آنذاك "أزمة الشرق الأوسط".[1]  وفي معالجته لجذور الصراع، أكَّد البيان أن "الصراع الإسرائيلي – العربي هو امتداد، بصيغة جديدة، للقضية الفلسطينية." واضاف أنه "في السياق التاريخي للشرق الأوسط، ينبغي لإسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة لتقديم تنازلات إلى الفلسطينيين لا العكس." وابتعد البيان مسافة متساوية عن الطرفين الرسميين، العربي والإسرائيلي، واقترح حلاً "لاقومياً" اتخذ الشكل التالي:

              "للقضية الفلسطينية ناحيتان سياسيتان، رئيسيتان: استرجاع حقوق الفلسطينيين، ودمج الإسرائيليين في المشرق العربي. ويزعم القادة العرب القوميون أن لديهم الحل للناحية الأولى (تحرير فلسطين)، ولا يزعمون وجود حل للناحية الثانية. أما زعماء إسرائيل الصهاينة، فيزعمون أن لديهم الحل للناحية الثانية (المحافظة على الوضع الراهن)، ولا يزعمون وجود حل للناحية الأولى."

ومع ذلك فإن حلاً يعالج الناحيتين في آن واحد هو الحل الوحيد الذي يمكن أن يدوم ويوفر الاستقرار.

ونحن نعرض هنا حلنا الذي يفي بهذا المطلب الأساسي:

  • يجب أن تمر إسرائيل بتغيير عميق وجذري كي تصبح دولة سوية للذين يقطنون فيها. كما يجب القضاء كلياً على تركيبة السيطرة الصهيونية وكل مظاهر الاستعلاء اليهودي. ويجب تحقيق ذلك من خلال النضال المشترك لغير الصهيونيين داخل إسرائيل ممن يرغبون في دمج هذه الدولة في الشرق الأوسط.
  • وإسرائيل اللاصهيونية هذه ستسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين الذين يرغبون في العودة، وستقوم بتقديم التعويضات إلى أولئك الذين لا يرغبون في العودة من ممتلكاتهم وأراضيهم ومعاناتهم. كما تعلن استعدادها للتنازل عن أراض للفلسطينيين ولإعانتهم على إقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة إذا رغبوا في ذلك.
  • وسواء أقام الفلسطينيون دولتهم، أو رغبوا عن ذلك من أجل الوحدة، فإن إسرائيل الجديدة اللاصهيونية ستنهج سياسة دمج الإسرائيليين والفلسطينيين في دولة فيدرالية، واشتراكية، ولاقومية، يتمتع اليهود والعرب فيها بحقوق مدنية كاملة وحرية ثقافية.
  • وستشارك هذه الدولة الفيدرالية في عملية توحيد الشرق الأوسط بأسره سياسياً واقتصادياً.

ومن الممكن أن ذلك كان أول حشد لفلسطينيين وإسرائيليين لهم التوجه ذاته، وأول محاولة لتأليف تحالف ثوري بهدف تغيير طبيعة الصراع، الذي اتخذ آنذاك صفة المواجهة بين دولتين، عاكساً في الوقت نفسه سياسة القطبين لحقبة الحرب الباردة.

لقد شهدت أواخر الستينات وأوائل السبعينات لقاءات لأفراد إسرائيليين، وفلسطينيين، وعراقيين، وسوريين، ولبنانيين، ومجموعات سياسية صغيرة كان لها توجه سياسي مشترك، في محاولة للوصول إلى استراتيجية مشتركة ترتكز على رفض الأنظمة العربية البورجوازية الصغيرة والتركيبة الصهيونية لدولة إسرائيل على حد سواء. والحوار الذي برز لم يُفهم أنه خطوة نحو المفاوضات بين الدول أو محاولة لنقل المواقف إلى "الطرف الآخر". وحقيقة لم يكن هذا حواراً بين أعداء، بل كان نقاشاً بين رفقاء للشروع في نشاط سياسي جذري. وفي صميم هذا النشاط يكون النضال من أجل حق تقرير المصير الفلسطيني نقطة الارتكاز لنضال تحريري شامل ضد الإمبريالية، يؤدي إلى تغيير اجتماعي وسياسي في المشرق العربي كله، ويشمل هذا إسرائيل بالضرورة.

ونظراً إلى أسباب ذاتية وموضوعية، فإن هذه المحاولة الرائدة لم تؤت ثمارها. فبتبني منظمة التحرير الفلسطينية البرنامج المرحلي سنة 1974، اتخذ اليساريون في الحركة الفلسطينية مساراً مختلفاً كلياً. وعندما استؤنف الحوار بعد هذه المحاولة المشتركة الفاشلة، كان في الواقع حواراً بين أعداء متحصنين داخل تحصيناتهم القومية، بدأ الفلسطينيون، والإسرائيليون بدرجة أقل، ينحازون إلى التسليم باستقلالية الطرف الآخر وانفصاله الضروري.

الحوار: أسبابه وبداياته

              من الصعب تحديد بدايات الحوار زمنياً. فما بدأ ظاهرةً هامشية – وكان الشغل الشاغل لمبعوثين تم توظيفهم من قِبل أنصار متنفذين في الأوساط العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية (لديهم الاستعداد الدائم لإنكارهم علنياً بينما يواصلون دعم نشاطاتهم) – أصبح بعد الحرب الإسرائيلية – الفلسطينية في لبنان في صيف 1982 الشاغل الرئيسي والسلاح الذي يحتل مكانة عالية في الترسانة الفلسطينية التي شارفت على الفراغ. والتغييرات التي حدثت نتيجة الانتفاضة عززت هذا التحرك خلافاً للتوقعات، وأضفت الشرعية على الحوار غير المشروع الذي كان يدور في الأراضي المحتلة منذ الأيام الأولى للاحتلال، والذي كان، من وجهة النظر الإسرائيلية، يخدم الحفاظ على السيطرة من خلال التعاون مع (وإذا أمكن من خلال اختيار) شخصيات بارزة.

وقد نجم بالتدريج، ونتيجة الضغوط الدولية لأخذ "التطلعات الوطنية الفلسطينية المشروعة" بعين الاعتبار، تصوير المشاركين في الحوار (والذين ما عادوا بالضرورة من الشخصيات التقليدية) كـ"فلسطينيين موثوق بهم"، يمكن في المستقبل قبولهم مفاوضين في تسوية تلائم إسرائيل.

ترجع بداية الحوار إلى تطورين إثنين. فعلى الصعيد الأيديولوجي، وعلى الرغم من استمرار شعبية شعار "الكلاشينكوف بيخلّي الدم يشلّي"، فقد برز تحول نحو الاعتقاد بفعالية الرأي العام الإسرائيلي والدولي. في المراحل الأولى، استُهدفت "القوى الديمقراطية" داخل إسرائيل نظيراً ممكناً، إلا إن التأثير في أوسع قطاعات ممكنة من الجمهور الإسرائيلي تطلب الوصول إلى برنامج مشترك مع شخصيات بارزة في الاتجاه السائد. وعلى الصعيد العملي، فإن الآثار النفسية لحرب 1973، والنجاح النسبي الذي حققته الجيوش العربية، أوجدت شعوراً وتوقعات عالية بأن التسوية أصبحت وشيكة. ولم تكن منظمة التحرير الفلسطينية محصنة أمام هذا الجو المندفع؛ فالأغلبية بين قيادة المنظمة كانت عازمة على أن يكون للفلسطينيين صوت في مؤتمر جنيف المقبل. وقد قدم البرنامج المرحلي الذي تبناه المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1974 إشارة خجولة إلى قبول التقسيم والحل الذي نص على إقامة دولتين. وقد اعتُبرت هذه لفتة ضرورية لتأهيل منظمة التحرير شريكاً مقبولاً في المفاوضات؛ إذ كان واضحاً، عند بعض المسؤولين في المنظمة على الأقل، أن المسألة لا تكمن في الامتناع من الاعتراف بإسرائيل بل في اكتساب الشرعية من خلال الحصول على اعترافها. وفي هذا السياق، كان سعيد حمّامي، ممثل المنظمة في لندن الذي اغتيل على أيدي فلسطينيين موالين للنظام العراقي، يصر على أن "الحوار هو بين أعداء." وكانت منظمة التحرير تتوق إلى أن يُعترف بها عدوّاً يحارب في البداية ويُعْقَدُ معه سلام في نهاية المطاف.

هذا، وقد أعطى اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1977 الضوء الأخضر للحوار. وكان ذلك في البداية، وبصورة أساسية، بحثاً عن حلفاء بين القوى المعارضة للصهيونية، أو بكلمات محمود عباس (أحد مؤسسى الحوار وأنشط الداعين إليه) بحثاً عن أرض أيديولوجية مشتركة". واستع الحوار مع المعارضين للصهيونية بسرعة ليشمل "القوى الديمقراطية" وجميع الذين يعترفون بالحقوق الفلسطينية ومنظمة التحرير. وقد كتب عباس أن لا أهمية لليمين واليسار في السياق الإسرائيلي،[2]   بل المهم هو معسكر السلام. وفي نظره أن هذا المعسكر يضم أناساً معارضين للصهيونية بصورة أساسية (بغض النظر عن أن الأعضاء الإسرائيليين في المعسكر يصرون على اعتبار أنفسهم صهيونيين).[3]

وقد أعطى الخروج من بيروت في صيف 1982 هذا النشاط قوة دفع جديدة، حيث وقفت أغلبية الأنظمة العربية تشاهد الهجوم الإسرائيلي على لبنان وحصار بيروت. وعندما عقد مؤتمر القمة العربية في مدينة فاس في أيلول/ سبتمبر 1982 في نهاية المطاف، جاءت قراراته محاولة خجولة للعثور على أرض مشتركة مع بنود مبادرة الرئيس ريغان. وفي اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في الجزائر سنة 1983، تم إقرار مقترحات قمة فاس بأنها تمثّل الحد الأقصى للموقف العربي الجماعي تجاه الولايات المتحدة. وقد عبّر عن ذلك مراقب قوي الملاحظة قائلاً إن "منظمة التحرير الفلسطينية لم تستطع طلب أكثر مما كان الإجماع العربي مهيئاً للدعم."[4]  وهكذا، تم إدخال قرارات قمة فاس في البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. وكانت التضمينات التي ينطوي ذلك عليها قد ورد على نحو متردد في البرنامج المرحلي لسنة 1974، وعبّر عنها الآن بصراحة: أي، قبول وجود إسرائيل. وبمعنى آخر، فإن الحل أصبح إقامة دولتين، أو كما أوضح صلاح خلف في خطابه في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في عمان في تشرين الثاني/ نوفمبر 1984، أصبحت المنظمة مهيأة لتقبل معادلة الأرض في مقابل السلام.[5]  (كان ذلك التفاتة باتجاه قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي أُقرّ في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1988، وفي خطاب عرفات في جنيف). وقد ذهب البعض إلى أن فقدان لبنان ملاذاً مستقلاً وآمناً نسبياً أدى إلى "تفكير جديد". والغريب أن صانعي السياسة الفلسطينية البارزين عبر رحلتهم الطويلة، من بدايات فتح في أوائل الستينات حتى الهزيمة والطرد من لبنان سنة 1982، توصلوا إلى الصيغة المبتذلة: "السياسة هي فن الممكن."[6]  واعتمدت متابعة الحوار على القراءة الفردية للساحة الإسرائيلية السياسية، والتي وصفت المجتمع الإسرائيلي أنه "متشعب متهافت، منقسم، وعلى شفا الانهيار."[7]

الحوار في الداخل

              تمَّّت المبادرة إلى اجتماعات ونقاشات بين المسؤولين الإسرائيليين وعدد من سكان الأراضي المحتلة منذ بداية الاحتلال. والقائمة طويلة وغير مقتصرة على الشخصيات التقليدية والموالية للأردن. لكن في أوائل الثمانينات، دخلت الساحة وجوه جديدة وقامت بأنشطتها داخل إطار الاستراتيجية السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وخير تمثيل لذلك ورد في مقابل صدر في جريدة "الفجر" سنة 1984. وقد انتقد الكاتب منظمة التحرير بسبب التناقض بين النظرية والممارسة، وحاول استخلاص النتائج العملية من التأكيد المتزايد على هدف الدولة:

أما الوجه الآخر للدولة الفلسطينية ذات السيادة والاستقلال فهو ليس فقط القبول نظرياً في المرحلة النهائية بإسرائيل والصهيونية بل قبولهما فوراً وبشكل عملي - - - وفي الدورة السادسة عشرة للمجلس الوطني قَيِل المجلس بخطة مؤتمر قمة فاس لتقسيم فلسطين، كما رحب المجلس باقتراحات بريجنيف للسلام التي تقضي صراحة وتؤيد التعايش بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة - - - وهو بلورة جريئة وتقدمية لأفكار بدأت تتخذ شكلاً لها عام 1974 في البرنامج السياسي المرحلي، ولكن المجلس أحجم عن تأييد الاتصالات الرسمية مع الصهيونيين وبقيت الحوارات أمراً محرماً.[8]

وعلى الرغم من الحقيقة البديهية الماثلة في هذه الفقرة، فإن إعلانها لم يكن ممكناً إلا عقب الهزيمة التي منيت منظمة التحرير بها على أيدي القوات الإسرائيلية في صيف 1982، والفوضى التي عمت صفوف المنظمة. وفي وجه التشرد والتمزق الناجمين عن انقسامات داخلية، تطلعت المنظمة إلى الأراضي المحتلة ساحةً رئيسية للنضال، وبذلك رفعت من شأن دور العناصر في الداخل التي كانت مهيأة لتحمل أعباء رسم استراتيجية للتعامل أو للتعايش مع الاحتلال. ولطالما تمسكت المنظمة، ولو شفوياً، بخيار الكفاح المسلح؛ فقد كان هنالك هامش ضيق جداً للنشاط أمام القوى الاجتماعية التي تعيش تحت الاحتلال، والتي لم تكن مهيأة أو راغبة في إقحام نفسها في نشاط معاد للاحتلال، بما يترتب على ذلك من أخطار وعقوبات (ساد وضع مماثل في أثناء حرب الخليج، كما تزايد الطعن بالسكاكين بحيث أُقصي القائمون بالحوار إلى الصفوف الخلفية). واختار الآلاف الكفاح المسلح ضد الاحتلال، ودفعوا ثمناً لأعمالهم فقدان حياتهم أو بيوتهم، أو عقوبات بالسجن مدداً طويلة أو بإبعادهم.

وهكذا، على الرغم من عدة بدايات صورية (الهجوم على جماعة من الأكاديميين في بيرزيت كانوا قد شاركوا في صيغة بديلة سُميت "الحوار الأكاديمي")، فإن الحوار  لم يتخذ مسلكاً حقيقياً إلا بعد احتضار فرص منظمة التحرير وما كانت تجسده: الكفاح المسلح؛ حتى أن وجيهاً بارزاً من نابلس ارتأى أنه إذا كانت المسألة مسألة تسوية سلمية، فإنه يمكن إنجاز ذلك بحق وشرعية أكبر من خلال قيادة محلية.[9]  والإسرائيليون بدورهم، وخصوصاً أولئك الذين يبحثون عن "فلسطينيين موثوق بهم"، كانوا يقفون وقفة التأهب لذلك في الطرف الآخر. وبذلك وصل الحوار إلى "نقطة الانطلاق". وبحلول صيف 1987، وصل الذين أخذوا على عاتقهم الحوار إلى الشرعية. وينتهي أحد المشاركين في الحوار من الجانب الفلسطيني، في خلاصة للحوار كما تطور مع الوقت، إلى ما يشبه إعلاناً لإيمانه بأن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف الفلسطينية، ويعدّد السبل البديلة الممكنة:

بدأت هذه اللقاءات كعربة صغيرة مجهولة تقف أمام نفق طويل مظلم، ولكنها خلال عشرين عاماً أصبحت حافلة كبيرة معروفة تسير تحت شمس ساطعة على خطوط ثابتة دون توقف وفي أكثر من اتجاه. والبدائل المتاحة أمام الجميع هي التالية:

  • أما أن نكون عليها أو أن نشارك في قيادتها.
  • إما أن نكون معها ندفعها لتسير على خطوط المبادئ والأهداف الوطنية بلا انحراف.
  • أو أن نبقى خلفها لأنها سوف تستمر بدوننا وقد تصل إلى مواقع ومواقف بعيدة وبعيدة جداً عنا.[10]

الحوار بعد الانتفاضة

مع أن الاجتماعات بين موشيه عميراف وجماعة من الفلسطينيين معروفة بتأييدها لمنظمة التحرير الفلسطينية قد جرت قبل اندلاع الانتفاضة[11]  بأشهر قليلة، فإنها تمثِّل معْلماً؛ إذ إنها خرقتت الحظر، وبدأت عهداً جديداً اكتسب فيه المشاركون في الحوار شرعية كاملة بعد إعلان الدولة في الجزائر. عملياً، أصبح الحوار لا يعارضه أي فصيل داخل منظمة التحرير. وفي "العهد الذهبي" لاجتماعات الإسرائيليين والفلسطينيين في الداخل والخارج، شارك في الحوار ممثلون عن جميع الفصائل المنتمية إلى المنظمة. فقد جرى الحوار في الأراضي المحتلة جنباً إلى جنب مع الحوار الذي أدرته المنظمة في الخارج مع جماعات إسرائيلية وأخرى من اليهود الأميركيين. وكان اجتماع عرفات بخمسة من اليهود الأميركيين في ستوكهولم سنة 1988 رمزياً من حيث أنه أوضح الخيار الذي اختارته المنظمة والاستراتيجية التي اعتمدتها لكسب الاعتراف الأميركي بها. والفكرة التي قامت هذه الاستراتيجية الجديدة عليها هي استغلال أخبار الانتفاضة لكسب معركة الرأي العام العالمي. وفي خط مواز، تم التركيز على العلاقات العامة عوضاً من الموقف السياسي المبدئي. وأصبحت وسائل الإعلام هي ساحة المعركة والحكم في الفوز، وكان من الضروري إظهار هذا الموقف أمام الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة. ومن أجل قلب الصورة التي ظلت وسائل الإعلام الغربية تنقلها عن الفلسطينيين كإرهابيين يستهدفون القضاء على إسرائيل، أصبح من الضروري الآن إعلان "الاعتدال الجديد" (اصطلاح استحدثته وسائل الإعلام الغربية لوصف الأشخاص أو السياسات المقبولة لدى الأميركيين) والتشديد على أن الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة للعضوية في نادي المحترمين وقبول قرار مجلس الأمن رقم 242 إلخ، قد تمت تلبيتها. لكن كانت هناك فرضية أُخرى وراء معركة منظمة التحرير في ميدان وسائل الإعلام تتلخص في الاعتقاد أن الدعم لإسرائيل ناجم من المهارة في استغلال وسائل الإعلام والسيطرة عليها من قبل إسرائيل والذين يدعمونها. وإضافة إلى كون هذه الفرضية آلية ولا تلتفت إلى قضية "الكارثة الكبرى" (الهولوكوست) التي تجعل الرأي العام الغربي حساساً إزاء مطالب إسرائيل، فإنها تتجاهل كلياً المصالح المشتركة والدور الاستراتيجي الذي قامت إسرائيل به في الاستراتيجية الأميركية في سياق الحرب الباردة، على صعيد المنطقة وعلى الصعيد العالمي على حد سواء، وهو الدور الذي اكتسب منزلة أرفع في إبان إدارة ريغان، نتيجة انهيار نظام الشاه في إيران.

إن الاعتقاد بقدرة اللوبي اليهودي المانوية المطلقة في الولايات المتحدة قد عزز الموقف الذي تم تبنيه تجاه حتى الجماعات اليهودية والشخصيات العامة الأقل أهمية. وذلك إيماناً بأنه من خلال وساطتهم يمكن التأثير في صانعي السياسة الأميركية وربما في القيادة الإسرائيلية أيضاً. وهكذا، أوليت أهمية كبرى للظهور الفلسطيني أمام جماهير اليهود الأميركيين (مقدار كبير من النشاط الفلسطيني في الولايات المتحدة موجَّه نحو اليهود الأميركيين لإقناعهم باعتدال منظمة التحرير الفلسطينية).

وداخل الأراضي المحتلة، أصبحت المهمة الرسمية للحوار كسب الاعتراف الإسرائيلي كما لو كان بالوكالة. فأي اجتماع لمسؤول إسرائيلي مع أية شخصية فلسطينية تمتُّ إلى منظمة التحرير الفلسطينية بصلة، وأياً يكن الإطار، سواء أكان ذلك في السجن (الحسيني وغورين) أم نتيجة طلب رسمي (شمير والطريفي) أم بالاتفاق المتبادل (الحسيني وكوليك)، يعتبر إذعاناً واعترافاً إسرائيلياً بطبيعة التمثيل العام لمنظمة التحرير الفلسطينية وشرعيتها.

نظرتان متناقضتان

              في حين أن أهداف وحوافز المشاركين الفلسطينيين والإسرائيليين في الحوار تتلاقى أحياناً، فإن نقاط التباين أهم مما يبدو أول وهلة. فالحوار من وجهة النظر الفلسطينية يعني أشياء كثيرة: فهو في آن واحد عمل دبلوماسي ووسيلة إعلامية، وهو يهدف في الوقت نفسه إلى التعرف على العدو وتفريق صفوفه.[12]  وفي حين يفسر أحد المشاركين في الحوار أن الهدف من الاجتماعات "إنما هو تفسير مواقف منظمة التحرير الفلسطينية والإجابة عن التساؤلات بشأن المخاوف التي تثيرها"،[13]  يعتبر عضو بارز في منظمة التحرير العوامل التالية وراء "حملة السلام" الفلسطينية:

  • الانهيار الاقتصادي والسياسي (الإسرائيلي).
  • استثمار الاختراق الذي حدث في عقل أفراد الكيان الصهيوني من جرّاء الديمقراطية التي شاهدوها في أثناء انعقاد المجلس الوطني.
  • استثمار الوضع الصهيوني المنهار سياسياً إلى حد العجز عن اتخاذ قرار سياسي.
  • استثمار أفكار المجموعات التي بدأت تظهر في الكيان الصهيوني بشأن ضرورة الانسحاب، والتعامل مع م. ت. ف، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.[14]

أما في الطرف الإسرائيلي، فالحوافز واسعة المدى وتتراوح بين العملي والتافه.[15]   وجدير بالملاحظة في هذا السياق أن الإسرائيليين المشاركين في الحوار يفعلون ذلك انطلاقاً من الإجماع الإسرائيلي، الذي يعطي أولوية لحاجات إسرائيل الأمنية، ويؤيدون حق الشعب اليهودي في فلسطين بكاملها. وبغض النظر عن أحداث مثل اجتماعات عميراف والحسيني التي نجمت عن السياسة الداخلية الإسرائيلية،[16]  والاتصالات بمسؤولين إسرائيليين في ميدان الخدمة، كالاتصال بين يوسي بيلين وثمانية من مؤيدي المنظمة البارزين،[17] فإن الإسرائيليين المشاركين في الحوار يرون أن مهمتهم هي التأثير في المواقف الفلسطينية، والدفع باتجاه "اعتدال" أكبر. ويبدو أن هذا يستند إلى الاعتقاد أن "السبيل الوحيد لتأمين تطلعات الأمتين يسري عبر قلوب وعقول المناهضين لدى الطرفين."[18]  ويعزو بار – أون، وهو محاور منغمس في النزعة السيكولوجية، تصلب إسرائيل إلى مشاعر الخوف وعدم الأمن. وإزالة هذا الخوف هي مسؤولية الفلسطينيين. وعليهم أن يحوزوا ثقة الإسرائيليين، ذلك لأنه "إذا كانت اقتراحات عرفات للسلام تبدو لأغلبية الإسرائيليين غير مخلصة وفيها مجازفة، فقد يفضل الإسرائيليون الاستمرار في بشاعتهم من أجل أن يبقوا أحياء."[19]  ويمكن للمرء، في ضوء هذا التفكير، أن يتفهم تكدر المعسكر الإسرائيلي للسلام من قصيدة محمود درويش المعنونة "عابرون في كلام عابر"، ومن "الضرر الكبير الذي الحقته بقضية السلام."

مهمة شاقة تنتظر الفلسطينيين. إنهم مطالَبون، رجالاً ونساء وأطفالاً، في الأراضي المحتلة وفي الشتات، سواء كانوا يذوون في الاعتقال الإداري أو كانوا محكومين يمضون محكوميتهم في السجون الإسرائيلية، سواء كانو يقبعون في أحياء قطاع غزة الفقيرة، أو في خرائب المخيمات المدمرة في لبنان، أو يسكنون في الفيلات الفاخرة في عمان والخليج، بأن يمدوا أيديهم ويفتحوا قلوبهم كي يقنعوا ظلاّمهم وسالبيهم بنياتهم السلمية. في هذا الوضع الاستعماري الفريد، يُطالب شعب، شُرد جزء منه وتم تحويل الجزء الآخر إلى حطابين وسقائين في خدمة المستعمر يعانون ليل نهار – جراء ممارسات الجيش الإسرائيلي الوحشية – بإقناع العدو بأنه لا يشكل تهديداً له ولا يضمر له أية ضغينة.[20]

ربما كان عدم ملاءمة الإسرائيليين كشركاء في الحوار يكمن في عدم قدرتهم على الإقرار بالأساس الأيديولوجي للثقافة السياسية الإسرائيلية، الثقافة التي ليس لديهم الاستعداد لمناقشتها، وبالتالي لتغييرها، لتمكين إسرائيل من الاعتراف بشرعية التطلعات الوطنية الفلسطينية عوضاً من دعم موقفهم بحجج ترتكز على أهمية الحفاظ على طابع الدولة اليهودي والديمقراطي، إضافة إلى الخطر السكاني. وقد أعرب يئير تْسَبان، زعيم في حزب مابام ومحاور جاد، في مقابلة أُجريت معه سنة 1985، عن رأيه أنه لو أدلى عرفات بـ"بيان صريح بأنهم (أي المنظمة) على استعداد للاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، لحدث تغيير جذري في إسرائيل بين عشية وضحاها."[21]   وبعد أكثر من عامين على تلك المقابلة، لم يكن شمير مستعداً للنظر في أكثر من صيغة هزيلة لمخطط الحكم الذاتي المقترح في اتفاق كامب ديفيد، ومع ذلك، فإن المطالبة بتنازلات أُخرى لتوضيح النيات الحسنة الفلسطينية من أجل بناء الثقة ما زالت مستمرة وموضع رعاية – ولا عجب من ذلك؛ فلتهدئة المخاوف الإسرائيلية بشأن الإمكانات العسكرية للدولة الفلسطينية العتيدة، قام مؤيد معروف للمنظمة من قطاع غزة بالتأكيد للجمهور في اجتماع إسرائيلي فلسطيني مشترك في بروكسل أن الفلسطينيين سيوافقون على دولة منزوعة السلاح، وهم على استعداد لقبول "قوات من الشرطة يكون أفرادها حفاة ويحملون العصي."[22]  (وهناك رواية أُخرى شائعة بأنه قدم عرضاً بأن يقوم رجال الشرطة بدورياتهم وهم يرتدون "شورت" السباحة).

وبعكس الاتجاه السائد في المجتمع الإسرائيلي، يبدو اليسار الصهيوني، الذي يشكل أغلبية معسكر السلام، تواقاً إلى الاعتراف الفلسطيني. فهو يشعر بالثقة، وعلى استعداد للاعتراف بالشرعية الفلسطينية، فقط من خلال اعتراف الفلسطينيين، الذين هم ضحية إسرائيل، بشرعيتها. إلا إن ذلك لا يحرك المؤسسة السياسية الإسرائيلية، ولا الجمهور الإسرائيلي، فكليهما برنامج سياسي مختلف كلياً. وهكذا، من المشكوك فيه أن تكون الجهود التي بذلها الفلسطينيون في الحوار قد أدت إلى أية نتيجة مهمة.

معادلة وهمية: الانتفاضة + الحوار =

مفاوضات وإقامة الدولة

من أجل أن يتم تحديد الوسائل التي من شأنها حل الصراع العربي – الصهيوني/ الفلسطيني – الإسرائيلي، فمن الضروري أولاً وقبل كل شيء توضيح طبيعة هذا الصراع. فإذا كان ناجماً عن تصورات مغلوط فيها وعن سوء فهم متبادل، فالحوار وبناء الثقة بالتدريج وسيلتان ضروريتان للتغلب على هذا الوضع. أما إذا كنا نتعامل، من ناحية أُخرى، مع وضع استعماري، فإن أي مقدار من الوعظ وإظهار المحبة يعجز عن زحزحة القوة المتخندقة عن موقع التحكم والسيطرة. فالاحتلال يستمر ما دام مشروعاً مربحاً. (يجب الاعتراف بأن هذه المقولة لا تنطبق بالضرورة عند التعامل مع "الدولة المخبولة").

ذلك بأن هناك قلة من الأمثلة، إنْ وجِدت، تشير إلى أن الشعب المستعمَر والمظلوم كان قادراً على أن يهزم القوة المستعمِرة عسكرياًً. والشيء الذي يعتبر في حكم الممكن هو القدرة على رفع ثمن الاحتلال باستمرار حتى يصبح الحفاظ عليه غير مربح. والانتفاضة هي محاولة الفلسطينيين لإرغام إسرائيل على دفع ثمن غير مقبول لقاء استمرار الاحتلال، وبعبارة أخرى، شن حرب استنزاف تجعل تكلفة القضاء على الانتفاضة عاملاً حاسماً فيما يتعلق برغبة إسرائيل في الحفاظ على سيطرتها لأجَل غير محدود. ومن هذه الزاوية، فإن الانتفاضة هي الحافز على التغيير داخل إسرائيل، لا الخطب الرنانة وغير الرنانة للمشاركين في الحوار. فالمعركة الإعلامية لها دور مكمل في المواجهات اليومية للاحتلال، والإسلائيليون الذين يعترفون بالحقوق الفلسطينية لهم دور بصورة رئيسية داخل مجتمعهم لإحداث تغيير. لقد حدد الفلسطينيون خيارهم بصريح العبارة: حق تقرير المصير وإقامة الدولة جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل. وهذا لن يُقدَّم لهم على طبق، كما أن أي مقدار من النيات الحسنة وإظهار للمحبة الدائمة لن يكون البديل لإقناع الإسرائيليين بأن مشروعهم خاسر، وأنه كلما طال أمده فإنه سيكلفهم أكثر. وعندما يقتنع الفلسطينيون والإسرائيليون على السواء بذلك، يمكن لحوار مفيد أن يبدأ. 

 

[1]   Joint Statement dated 3/6/1967, published in The Times (London), 8/6/1967 by the Betrand Russel Peace Foundation.                                                

[2]   محمود عباس (أبو مازن)، "هذه الاتصالات... لماذا؟" (القدس: دار فلسطين للنشر)، أيار/ مايو 1990، ص 13.

[3]   مقابلة مع محمود عباس، "شؤون فلسطينية"، تشرين الثاني/ نوفمبر – كانون الأول/ ديسمبر 1987، العدد 176 – 177، ص 167 – 170.

[4]   محسن إبراهيم، "آفاق العمل الوطني" (دار بيروت المساء، 1984)، ص 140.

[5]   خالد الحسن، "الاتفاق الأردني الفلسطيني للتحرك المشترك" (وكالة أبو عرفة للصحافة والنشر، 1985)، ص 104.

[6]   محمود عباس، مصدر سبق ذكره، ص 11؛ خالد الحسن، مصدر سبق ذكره، ص 147.

[7]   خالد الحسن، مصدر سبق ذكره، ص 150.

[8]  سري نسيبة، "في ذكرى عصام سرطاوي"، "الفجر"، 12/4/1984.

[9]   قدري طوقان، في: مهدي عبد الهادي، "ملاحظات حول اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة" (القدس، حزيران/ يونيو 1987)، ص 8.

[10]  عبد الهادي، مصدر سبق ذكره، ص 11.

[11]  بكلمة أدق، كانت اللقاءات السرية مع عميراف إلى حد بعيد أقرب في طبيعتها إلى مفاوضات مع المشاركين الفلسطينيين القائمين بدور الوسيط مع قيادة م. ت. ف. ويبدو أن عميراف نفسه قد استُخدم أداة من قبل مسؤولين من الليكود أرفع مستوى كان هدفهم الرئيسي تكتياً وهو إحباط جهود شمعون بيرس الرامية إلى عقد مؤتمر دولي، وإقناع الإدارة الأميركية بأنهم لا يكرهون التحدث إلى "فلسطينيين موثوق بهم"، وأن الليكود في حد ذاته هو الجهة القادرة على محادثة الفلسطينيين.

لوجهة نظر فلسطينية، أنظر: "التحاور الإسرائيلي مع الفلسطينيين"، "شؤون فلسطينية"، العدد 193، نيسان/ أبريل 1989، ص 154 – 55.

[12]   محمود عباس، مصدر سبق ذكره، ص 4 و8.

[13]   مقابلة مع فيصل الحسيني، صحيفة "الشرق الأوسط" (لندن)، 18/2/1989.

[14]   خالد الحسن، مصدر سبق ذكره، ص 150.

[15]   Edy Kaufman, “Israeli-Palestinian Dialogue: Prospects for Grass Roots Communi- cation, Journal of Palestine Studies, No. 2, Winter 1988. 

[16]   Le Monde, 25/9/1987, reprinted in Journal of Palestine Studies, No. 2, Winter 1988.

[17]   قال فيصل الحسيني، وهو واحد من ثمانية من أنصار المنظمة البارزين المشاركين في هذا الاجتماع: "وكان المثير في هذه الاجتماعات الأدنى مستوى هو أن أولئك الناس كانوا كمن يسمع موقفنا أول مرة: لقد فوجئوا بما قلناه؛ إذ كان معاكساً لما قاله قادتهم لهم." مقابلة مع فيصل الحسيني في:

Journal of Palestine Studies, No 4, 1989, p. 13.                                                          

[18] Mordechai Bar-On, “Israeli Reactions to the Palestinian Uprising,” Journal of Palestine Studies, No. 4, Summer 1988, p. 62.                                                   

[19]   Ibid., p. 63.

[20]   وهذا يذكِّر بقول لغولدا مئير، التي صرحت أن كرهها للعرب يعود إلى أنهم يجبرون الشباب الإسرائيلي على قتلهم. وفي بحث أكاديمي قدمته أُستاذة أميركية في مؤتمر علمي في الولايات المتحدة، وصفت الانتفاضة بأنها "شكل Post Modennist من الإرهاب، حيث يرهب الفلسطيني الإسرائيلي بخلق أوضاع تؤدي إلى قتل [الفلسطينيين]."

[21]   مقابلة مع يئير تْسَبان في:

Journal of Palestine Studies, No. 4, Summer 1985, pp. 100-101.

[22]   "هآرتس"، 20/2/1988. وقد نسبت الصحيفة هذا القول إلى فايز أبو رحمة، وهو أحد مؤيدي المنظمة البارزين في قطاع غزة.

Author biography: 

موسى البديري: رئيس دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بير زيت.