An Introduction to the Study of the Written Primary Sources of the Intifada
Keywords: 
الانتفاضة 1987
نشرات
الملصقات السياسية
الكتابة على الجدران
Full text: 

تحمل الانتفاضة في طياتها تجربة أغنى حركة سياسية واجتماعية للشعب الفلسطيني خلال تاريخ نضاله الطويل للحفاظ على وجوده وهويته. فخلال عامين من الأحداث، تشكلت تجربة فريدة في نوعها على الصعيد العالمي، ونموذج للثورة تجدر دراسته. إذ أنها تجربة شعب أعزل من السلاح استطاع الصمود أمام مجتمع اسبارطي استعماري مسلح حتى العظم بأكثر نظم الأسلحة تطورا في العالم. من ناحية أخرى، تميزت الانتفاضة من حيث عامل الامتداد الزمني الواسع (أكثر من عامين حتى الآن)، بشمولها جميع المناطق، المدن والقرى والمخيمات، بلا استثناء؛ وأخيرا، بكونها انتفاضة كاملة لشعب بكل طبقاته وفئاته وطوائفه الاجتماعية.

هذا الترابط بين هذه الأبعاد الثلاثة – الزمن والمكان والشمولية – أعطى الانتفاضة تفردها وزخمها الذي عبر عن نفسه في حجم هائل من الأدبيات السياسية التي عكست الغنى الفريد في نوعه لكل أشكال التعبير السياسية، والتي تشكل مصدرا تاريخيا مهما لدراستها. غير أننا لاحظنا أن معظم الدراسات والكتب التي صدرت عن الانتفاضة في الفترة الأخيرة، يفتقر افتقارا كبيرا إلى المصادر الأولية، الأمر الذي انعكس سلبيا على عمق هذه الدراسات وموضوعيتها وغناها، على الرغم من الكم الهائل لهذه المصادر التي لا غنى عنها لدى الكتابة عن مواقف القوى السياسية والمنظمات الجماهيرية والمؤسسات والشخصيات وكل أشكال التعبير السياسي المنظم أو الشعبي العفوي.

غير أنه يجب التنبيه إلى أن هذه الدراسة لا تغطي تماما المصادر الأولية كافة، إذ فضّلنا أحيانا عدم الحديث عن بعض المصادر لأسباب مختلفة، وفي أحيان أخرى لم تتوفر لدينا معلومات مكتملة عن بعض هذه المصادر الأمر الذي دفعنا إلى تفضيل عدم الخوض في الحديث عنها.

وأخيرا، نود أن نذكر أن جميع ما ذكر عن هذه المصادر جاء بناء على مقابلات أجريناها مع شخصيات سياسية عديدة تفضل، لأسباب لا تخفى على القارىء، عدم ذكر اسمها، أو بناء على مصادر جمعها الكاتب أو لاحظها ووثقها خلال عامين من الانتفاضة. وختاما، فإننا نرجو أن تشكل هذه الدراسة للباحثين، وخصوصا الفلسطينيين والعرب منهم، دليلا لمصادر الانتفاضة الأمر الذي سيساعد بلا شك في تعميق دراسة الانتفاضة، علما بأن هذه الدراسة لا تمثل، بأي حال من الأحوال، دراسة للقوى السياسية التي تم الحديث عنها لدة التعرض لهذه المصادر.

وفيما يتعلق بالمصادر المكتوبة، فإن الأمر يشمل البنود التالية:

  • بيانات القوى السياسية المختلفة، على اتجاهاتها السياسية كافة، والتي توزع سرا أكانت على صعيد عام (عموم الضفة الغربية وقطاع غزة)، أم على صعيد محلي (منطقة، مدينة، مخيم، قرية أو مجموعة من القرى).
  • صور الشعارات والرسوم السياسية المكتوبة على الجدران.
  • بيانات ونشرات المؤسسات والفعاليات الوطنية والمنظمات الجماهيرية.
  • النشرات السرية المنتظمة أو التي تصدر مرة واحدة عن القوى السياسية المختلفة.
  • الملصقات الوطنية بأشكالها كافة.
  • البيانات الإسرائيلية المزورة، والتي وزعت بكثافة منقطعة النظير بهدف تحييد دور بيانات القوى الوطنية في تعبئة السكان وتوجيههم، وبهدف إثارة الفتنة والشقاق. 

أولا: بيانات القوى السياسية                                                                              

  • بيانات القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة (ق. و. م.)

والأطراف المشكلة لها

إن ق. و. م.، التي تعتبر القيادة الرئيسية للانتفاضة في الداخل، قد انبثقت بعد شهر من اندلاع الانتفاضة. وهي تتكون من القوى العلمانية الرئيسية الأربع داخل منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف.) وهي: حركة التحرير الوطني – فتح، الجبهة الشعبية فلسطين (ج. ش.)، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (ج. د.)، الحزب الشيوعي الفلسطيني (ح. ش. ف.).

وتقسم بيانات الـ (ق. و. م.) إلى نوعين: الأول، البيانات التي توزع من قبل القيادة المركزية لـ (ق. و. م.)، على صعيد وطني عام (الضفة الغربية وقطاع غزة). أما النوع الثاني، فهو ما تصيغه وتوزعه فروع (ق. و. م.) على صعيد محلي (منطقة، مدينة، مخيم، قرية أو مجموعة قرى). وعادة، فإن الخط السياسي والتوجهات التي تصدرها (ق. و. م.) على صعيد مركزي ملزمة لكل فروع (ق. و. م.) على صعيد محلي، مع الأخذ في الاعتبار أن (ق. و. م.) هي إطار تنسيقي بين القوى الأربع لا قيادة ميدانية انصهرت هذه القوى الأربع فيها. ويبدو أن البيانات المحلية تأتي لمواجهة متطلبات واهتمامات وأحداث تتعلق بالمنطقة المعنية فقط.

وبالنسبة إلى الباحث، فهي تظهر الغنى والتنوع خلال الانتفاضة، بالإضافة إلى إعطائها صورة تفصيلية للوضع الدائر في منطقة ما، الأمر الذي تخلو البيانات العامة منه. غير أن البيانات المحلية، على صعيد قرى، تفتقر أحيانا إلى الصفة الرسمية الملزمة التي تتمتع البيانات العامة بها، وخصوصا أن هناك قوى تعمد، منفردة أو مؤتلفة، إلى توقيع البيانات باسم (ق. و. م.) في هذه القرى، من دون أن يشمل ذلك القوى الأربع المشكلة لهذه القيادة.[1]

وبالنسبة إلى الباحث، فإن هناك صعوبة في الحصول على البيانات المحلية، إذ صدر منها كم هائل ولا نكاد نجد قرية من قرى الضفة إلا وصدر فيها العديد من البيانات.

وعلى عكس الوضع في المدن، فإن الوعي بأهمية التوثيق شبه معدوم في الريف، كما أن طبيعة المداهمات المستمرة لها دفعت بالكثيرين إلى التخلص مما عندهم من بيانات ووثائق بطرائق شتى. كما أن تردي الأوضاع الأمنية، وكثرة الحواجز العسكرية على الطرقات، وعملية فصل المناطق بعضها عن بعض الذي يتم منذ عدة أشهر، قد جعلت من عملية نقل البيانات من الريف إلى المدينة لأغراض التوثيق والاطلاع مهمة صعبة نسبيا.

وفيما يتعلق ببيانات (ق. و. م.) على صعيد عام، فإن على الباحث أن يضع نصب عينيه الأمور التالية لدى اعتماده على البيانات كمصدر مهم للانتفاضة:

  • إن بيانات الانتفاضة في أيامها الأولى قد صدرت في قطاع غزة أساسا، وهذا أمر طبيعي. إذ إن الانتفاضة اندلعت مساء 8/12/1987 من مخيمات القطاع. وعلى الرغم من أن الانتفاضة سرعان ما انتقلت إلى بعض مناطق الضفة (بالتحديد نابلس) حيث استشهد ابراهيم العكليك في 10/12/1987 في مدينة نابلس وثلاثة مواطنين في مخيم بلاطة في اليوم التالي، فإن الانتفاضة لم تأخذ طابع الشمول في الضفة الغربية إلا بعد حين. وقد صدرت البيانات في قطاع غزة بتوقيعات تنظيمات مختلفة. أما أول بيان عن القوى الوطنية في غزة، والذي احتوى على شكل جبهوي، فقد كان بتوقيع "القوى  الوطنية في قطاع غزة". وأول بيان لمحناه بهذا التوقيع كان بتاريخ 16/12/1987، وليس لدينا من الأسباب للاعتقاد أن بيانات مصدرة بهذا التوقيع قد وزعت قبل ذلك.

وبالنسبة إلى بيانات غزة الأولى، فإنها الأشد ندرة بين البيانات العامة، ونعتقد أن بعضها قد ضاع إلى الأبد. وللأسف الشديد، فإن هذه  البيانات تكتسب أهمية بالغة لفهم ما كان يدور في ذهن القوى السياسية في الأيام الأولى للانتفاضة، وخصوصا فيما يتعلق بتفهم مدى الأحداث وأفق استمرارها وأهدافها وأساليب النضال والتوجه إلى تأليف اللجان الشعبية.

  • لقد صدر البيان الأول عن (ق. و. م.) في الضفة الغربية في 8/1/1988. غير أن البيان الذي سبقته بيانات موقعة باسم تنظيمات فلسطينية أو باسم "القوى الوطنية في الأراضي المحتلة"، لم يكن يحمل توقيع (ق. و. م.) وإنما توقيع "القوى الفلسطينية الوطنية".

كان هذا البيان الذي بدأ في توجيه مسألة الإضراب العام، قد جاء بمبادرة من نشطاء حركة فتح.[2]  أما البيان الثاني فقد أصدره تنظيم الجبهة الديمقراطية في 10/1/1988 باسم "القيادة الوطنية لتصعيد الانتفاضة في المناطق المحتلة".[3]   وتحمل كلمة "تصعيد" معاني لا تخفى على القارىء من توجه القوى الوطنية في ذلك الحين. وقد شكل البيان الثاني قفزة نوعية على صعيد المطاليب والأهداف. وظلت توقيعات البيانات تتراوح حتى البيان التاسع، حيث تم الاعتماد نهائيا على توقيع "القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة في الأراضي المحتلة / م. ت. ف." وهو التوقيع الذي بُدىء باستخدامه ابتداء من البيان الثالث. وقد ظل هذا الأمر حتى إعلان الاستقلال في 15/11/1988، حين حل توقيع "القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة في دولة فلسطين" (بيان رقم 28) محل التوقيع السابق.

  • يمكن اعتبار البيان العاشر في 10/3/1988 بداية مرحلة جديدة في بيانات (ق. و. م.)، إذ دخل الحزب الشيوعي بصورة فعلية ضمن نطاق (ق. و. م.). أما في المرحلة التي سبقت ذلك، فقد تم الاقتصار على استشارة الحزب بدرجات متفاوتة.[4]
  • لم تبدأ عملية ترقيم بيانات (ق. و. م.) إلا من البيان الثاني، وهكذا تتابع ترقيمها. كما أن هذه البيانات رُوِّست منذ البيان الأول، بـ نداء، نداء – نداء، وهي ترويسة مبتكرة الأمر الذي أعطى هذه البيانات اسمها الخاص المعروفة به: النداءات.

وقد تطور ترويس النداءات فأُضيفت منذ النداء الثالث الترويسة التالية:

نداء – نداء – نداء

لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة

لا صوت يعلو فوق صوت شعب فلسطين/ شعب منظمة التحرير الفلسطينية

وقد جاء ذلك للرد على بعض التصريحات الإسرائيلية والعربية التي صدرت خلال الفترة الأولى من الانتفاضة، وادعت أن لا علاقة لـ (م. ت. ف.) بالأحداث وإدارتها.[5]

 تجدر الإشارة لدى دراسة النداءات، والتي تشكل مصدرا أوليا مهما، إلى أن النداءات في معظمها موحدة المضمون، على الرغم من اختلاف النسخ التي صدرت للنداء الوطني، نتيجة طباعتها في معظم الأحيان من قبل القوى المختلفة المشكلة لـ (ق. و. م.). وقد انعكس ذلك، من حيث الشكل، في اختلاف طبيعة الورق، والآلات الطابعة، والتنضيد.. إلخ. بالإضافة إلى خلو البعض منها من البسملة أو من الشعارات الختامية للنداء.

غير أن هناك اختلافات جذرية في مضمون بعض البيانات، والتي عكست اختلافا في الموقف السياسي للتنظيمات التي تشكل (ق. و. م.)، والتي لم تتوصل لدى التنسيق بشأن هذه البيانات إلى صيغة اتفاق تام، وفي الأحوال النادرة تم الأمر على ما يبدو لأسباب فنية.

وعلى الرغم من الآثار السياسية الضارة لهذه الظاهرة في الشارع وفي العلاقات بين التنظيمات الأربعة، والتي لا مجال للحديث عنها لدى التعرض لموضوع المصادر، فإن هذه الظاهرة تكتسب من الناحية التاريخية أهمية بالغة لفهم الاختلاف في بعض الموضوعات الرئيسية لدى أطراف (ق. و. م.). وعلى سبيل المثال: الموقف من الأنظمة العربية، وقرارات المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر في الجزائر في 15/11/1988، وأساليب تصعيد الانتفاضة، والموقف من نقاط بيكر الخمس.

وهنا تنبع إشكالية ضرورة التوثيق والتصنيف الفوري لهذه الوثائق. إذ يلاحَظ أن جميع ما كتب ونشر عن البيانات، من دراسات ووثائق في الخارج، قد اعتمد على نسخة واحدة فقط. إن ذلك يتنافى مع الحقيقة، إذ ظهرت كما قلنا من قبل نسخ مختلفة في مضمونها. ولعل أبرز هذه النداءات، التي عكست اختلافا جذريا في تناول مواقف، النداءات رقم 10، 17، 28، وبدرجة أقل نداء 48. كما توجد حالة واحدة على الأقل، حيث نشر ضمن أحد الكتب المتسلسلة التي تعنى بموضوع وثائق الانتفاضة ويومياتها، نداء منسوب إلى (ق. و. م.) من دون أن يكون ذلك صحيحا.[6]

وبالإضافة إلى بيانات (ق. و. م.) المركزية والتي قلنا إنها عكست الحد الأدنى المتفق عليه بين القوى الأربع، فإن كل تنظيم من التنظيمات الأربعة المشكلة لها قد وزع بيانات خاصة به من أجل توضيح موقفه المميز وإبراز خصوصيته. ولم تقتصر التنظيمات في المناطق المحتلة على توزيع بيانات متضمنة توجيهات قيادتها الداخلية، وإنما تجاوزت ذلك إلى توزيع بيانات تتضمن رسائل قيادتها العليا في المنفى؛ فوزعت رسائل وتوجيهات ياسر عرفات رئيس اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس اللجنة التنفيذية لـ (م. ت. ف.). وفي حالة واحدة على الأقل، وزع بيان اللجنة المركزية للحركة وبيان آخر لمجلسها الثوري. ونشطت الجبهة الشعبية في توزيع بيانات شبه شهرية موقعة من أمينها العام أو من مكتبها السياسي. وهكذا فعلت الجبهة الديمقراطية بالنسبة إلى أمينها العام. أما الحزب الشيوعي، والذي يوجد معظم قيادته وأعضاء مكتبه السياسي داخل الأراضي المحتلة، فإن بياناته العادية كانت تعبر طبعا عن وجهة نظر قيادته التقليدية. إن التعرض لهذا الموضوع لم يأت في إطار الحديث عن المصادر الأولية للانتفاضة والتي صدرت في الداخل، وإنما لتعريف القارىء باهتمام التنظيمات باطلاع الجماهير على آخر المواقف السياسية لقيادتها.

وفيما يتعلق بالعلاقة بين قضية أهمية المصادر ومدى اطلاع السكان عليها وحجم تأثيرها، يجدر بالباحث الخارجي أن يعلم ثلاث حقائق: الأولى، إن نداءات (ق. و. م.) وأطرها الأربعة، بالإضافة إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، هي وحدها التي طُبعت ووُزعت بكميات كبيرة. أما معظم التنظيمات الأخرى، فلم تكن لديه القدرة المالية والبشرية والتنظيمية لعملية توزيع شامل. وهذا يقودنا إلى استنتاجات مهمة في شأن أهمية انتشار وثيقة ما في الشارع الفلسطيني، وبالتالي حجم تأثيرها. الثانية: إن القدرة الفنية على توزيع البيانات كانت أفضل منها في الأشهر الأولى للانتفاضة. أما في الآونة الأخيرة فقد خلفت إجراءات القمع الإسرائيلية الشاملة والموجه بعض منها لمنع عملية توزيع البيانات بالذات، صعوبات حقيقية في وجه هذه العملية. ويكفي للدلالة على الأهمية التي كانت توليها إسرائيل لمنع صدور البيانات، إبعادها جميع من اعتقلتهم في أثناء اجتماع سري لوضع صيغة نداء (ق. و. م.) رقم 11.[7]    كما قتل شاب واحد على الأقل خلال توزيعه أحد البيانات. الثالثة: إن حجم التوزيع كان يختلف من منطقة إلى أخرى؛ فمنطقة رام الله والبيرة يليها القدس وبيت لحم ونابلس، كانت مناطق توزيع مكثف، بينما خلقت الصعوبات الأمنية عائقا أمام مناطق مثل جنين وطولكرم والخليل، وهو ما سبّب بعض المشكلات في تعميم أوامر (ق. و. م.). غير أن هذا الأمر تم تلافيه بقراءة النداءات عبر مكبرات الصوت في المساجد وغيرها، إذ أصبح مكبر الصوت سلاحا رئيسيا للجان الشعبية في المناطق المختلفة. وفي بعض الأحيان، تم لصق أو تعليق النسخ المحدودة التي تحظى قرية معينة بها على أبواب المساجد والمحلات التجارية أو على أعمدة  الكهرباء. وفي أحيان عديدة تمت كتابة أجزاء من البيانات على شكل شعارات ملونة على الجدران، إلا ان هذه اقتصرت على التعريف بأيام الإضراب الشامل أو الفعاليات الأخرى المهمة. وقد طبقت هذه الطريقة في قطاع غزة أكثر من المناطق الأخرى.

ب بيانات: "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس)

(حماس) هي الأحرف الأولى المركبة من "حركة المقاومة الإسلامية"، الذراع النضالية لحركة الإخوان المسلمين في الضفة الغربية وقطاع غزة.[8]  وهي حركة أصولية سنية تصاعدت قوتها منذ نهاية السبعينات، وخصوصا في قطاع غزة. وقد تشكلت "حركة المقاومة الإسلامية" كما هي حال (ق. و. م.) بعد نحو شهر من اندلاع الانتفاضة، ولدينا الاعتقاد أنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث القوة السياسية والتأثير بعد حركة فتح، وهي القوة السياسية الوحيدة عدا (ق. و. م.) التي استطاعت وما زالت تستطيع تنفيذ إضرابات عامة شاملة في جميع أنحاء الضفة والقطاع. وتتركز قوة (حماس) في قطاع غزة والخليل وشمال الضفة الغربية.[9] 

ولما كانت حركة (حماس) قد تشكلت بعد الانتفاضة، التي تعتبر مرحلة جديدة لا في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني فحسب بل أيضا في تطور مواقف الإخوان المسلمين، فإن بيانات الحركة تعتبر المصدر الرئيسي والأهم للحديث عن أفكارها وأسلوب عملها خلال الانتفاضة. ووفقا لما هو متوفر لنا، فإن أول بيان أصدرته الحركة كان بتاريخ 22/1/1988.[10]   وهو بيان قد يؤرخ لولادة الحركة ويشكل وثيقة مهمة لا غنى للباحث عنها. وتوجد ثلاث نسخ من هذا البيان: الأولى من دون تاريخ، والثانية مؤرخة بخط اليد، والثالثة مؤرخة بشكل عادي. وقد لاحظنا أن بياناتها ظلت، عكس بيانات (ق. و. م.)، من دون ترقيم حتى أصدرت الحركة بيانا يحمل رقم (21). غير أنه لا يوجد حتى الآن سوى عدد من البيانات الأولى غير المرقمة (نحو 15 بيانا). ويميل أحد الباحثين إلى الاعتقاد أن (حماس) استبقت بعض الأرقام للايحاء بأنها أصدرت بياناتها قبل بيانات (ق. و. م.) وبغزارة أكبر،[11]   إذ يوجد لـ (حماس) 51 بيانا في مقابل 50 بيانا لـ(ق. و. م.) حتى نهاية كانون الأول/ديسمبر 1989. وبصورة عامة، حافظت حركة (حماس) على تناغم إصدار بياناتها مع إيقاع صدور بيانات (ق. و. م.).[12]

بالنسبة إلى التوقيع، يلاحَظ أن حركة (حماس) قد وقعت بياناتها منذ البداية بـ"حركة المقاومة الإسلامية – فلسطين". ولم تلجأ قط إلى استخدام تعبير "في المناطق المحتلة" أو "في الأراضي المحتلة" أو "دولة فلسطين" كما فعلت بيانات (ق. و. م.). وفي بيانها بتاريخ 11/2/1988 استخدمت أول مرة توقيع: حركة المقاومة الإسلامية – فلسطين – ح. م. س. وفي البيان الذي وزع في شباط/ فبراير 1988م / جمادى الأخيرة 1408هـ، استخدمت أول مرة كلمة (حماس).

تختلف بيانات (حماس) عن بيانات (ق. و. م.) بأنها صادرة عن قيادة مركزية لأغراض التوزيع على الصعيد الوطني العام فقط، فيما عدا بعض البيانات المحدودة جدا والتي وُزعت على صعيد محلي، وخصوصا في بداية الانتفاضة، الأمر الذي يسهل مهمة الباحث بعكس بيانات (ق. و. م.) وأطرافها على الصعيد المحلي. وبالإضافة إلى البيانات المرفقة، فإن الميثاق الذي أصدرته الحركة في 18/8/1988 يعتبر من أهم المصادر عن التوجهات الفكرية العامة وموقفها النظري من العديد من القضايا، والتي لم تعالجها البيانات. ويشمل الميثاق 36 مادة تقدم معلومات مهمة عن علاقة (حماس) بالإخوان المسلمين، واستراتيجية الحركة (حماس)، وموقفها من: المبادرات السلمية والمؤتمر الدولي؛ م. ت. ف.؛ المرأة؛ النظم العربية؛ والعديد من القضايا الأخرى.

وبالإضافة إلى الميثاق، فقد أصدرت الحركة عدة بيانات مهمة في مناسبات مختلفة من دون ترقيم (hors seri). وقد اطلعنا على بيانين من هذه البيانات الأولى: الأول على صورة نداء إلى المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر قبل انعقاده في 15/11/1988، ينبه ويحذر ويتوعد من اتخاذ "المواقف الداعية لوقف الجهاد والكفاح أو الداعية إلى السلام مع القتلة." ويكتسي هذا النداء أهمية خاصة في فهم موقف (حماس) من قضية التمثيل الفلسطيني والحلول السلمية. أما البيان الثاني فقد وزع في آب/أغسطس 1989، ويعالج موضوع الخلافات بين عناصر (حماس) وبعض أطراف (ق. و. م.) داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية.

بصورة عامة، تتميز بيانات الحركة بخطاب ديني مطعم بالآيات القرآنية، وتزاوج الخطاب السياسي مع الخلقي. ويلاحظ أن عددا كبيرا من الإضرابات التي دعت الحركة إليها، جاء في مناسبات إسلامية تاريخية ودينية. ومن حيث الشكل، فإن بياناتها قد أخذت وقتا طويلا قبل أن تستقر ابتداء من البيان 26 على شكل مميز وترويسة مميزة تبدأ بالبسملة وبآية "هذا بلاغ للناس لينذروا به"، ويرقم البيان إلى يمين رأس الصفحة داخل مستطيل يبرز منه سهم أسود في اتجاه الشمال. ولما كانت بياناتها مركزية، فإن هذا قد ساهم في جعل وظيفة البيانات الإسرائيلية التي تنتحل اسم الحركة أكثر صعوبة.[13]

ج حركة الجهاد الإسلامي

وهي حركة إسلامية سنية تنادي بالجهاد لتحرير فلسطين. وكانت هذه الحركة قد أعلنت عن نفسها أول مرة في بيان لها بتاريخ 3 شباط/ فبراير 1980. ويبدو أنه لا تربطها بحركة الجهاد الإسلامي اللبنانية الشيعية أية روابط تنظيمية، على الرغم من أن الحركة قد تأثرت ولا شك بصعود الخمينية وأفكارها في إيران. وعلى الرغم من أن الحركة تنادي، مثل حركة الإخوان المسلمين، بإقامة نظام ودولة إسلامية في فلسطين، إلا ان الحركة أصرت منذ تشكيلها على ضرورة إعلان الجهاد في فلسطين، حتى لو تم ذلك قبل عملية البناء الإسلامي التي تدعو حركة الإخوان إليها. كما تحاول في بياناتها تخفيف مظاهر الخلاف بينها وبين (م. ت. ف.) و (ق. و. م.) فيما يتعلق بالموقف من الحلول السلمية، عن طريق التشديد على نقاط الالتقاء من خلال "محاربة الأعداء". ويفسر هذا علاقاتها بالقوى الوطنية وبفتح بالتحديد، والتي اتسمت – عكس حركة الإخوان المسلمين – بالود والتفاهم. بل ان البعض يرى أن هناك علاقة سرية تربط بين فتح والجهاد الإسلامي. ويتعدى تأثير الحركة في الشارع الفلسطيني وزنها التنظيمي والعددي، ويرجع ذلك إلى عمليات الحركة العسكرية ضد أهداف إسرائيلية عسكرية مختارة وبوسائل بسيطة، والاحترام الذي يحيط قيادتها السياسية وكوادرها. وهناك شبه إجماع على أن الأحداث التي كانت الحركة طرفا فيها خلال شهري تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر 1987 كانت أحد العوامل المباشرة لتفجير الانتفاضة.[14]

فيما يتعلق بوثائق الحركة، فإن ظروف وأوضاع الحركة السرية جدا قد انعكست على وثائقها. فالحركة كانت هدفا رئيسيا لضربات أجهزة الاحتلال الإسرائيلية قبل الانتفاضة وفي أثنائها، وخصوصا خلال الأشهر الأربعة الأولى. وقد ترك هذا بصماته على بنية الحركة ووثائقها. إذ يلاحظ أن الحركة قد أصدرت نحو 25 بيانا خلال الانتفاضة، كان أولها بتاريخ 12/12/1987، في مقابل 50 بيانا عاما أصدرتها (ق. و. م.)، و51 بيانا لـ (حماس). كما أن البيانات وزعت بأعداد قليلة نسبيا وفي مناطق محدودة. غير أنه تجدر الإشارة إلى نشر بعض هذه البيانات التي لم تقع عليها أعيننا في بعض الدوريات الإسلامية خارج المناطق المحتلة. وفي الوقت نفسه، لم يجد معظم ما في حيازتنا من بيانات طريقه إلى هذه المجلات والدوريات. ويضاعف من حدة المشكلة أن بعض هذه البيانات قد وقع من دون تاريخ، أو بتحديد تاريخ الشهر والسنة فقط. كما أن التوقيعات تراوحت بين حركة الجهاد الإسلامي، والجهاد الإسلامي، وسرايا الجهاد الإسلامي، وبيت المقدس، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. ولعل هذا يلقي ضوءا على طبيعة التنظيم نفسه. ولا يقتصر الاختلاف في بيانات "حركة الجهاد الإسلامي" على التوزيع فقط، بل توجد اختلافات رئيسية في شكل بياناتها من حيث الطباعة والورق والتنضيد والترويس، الأمر الذي سهل مهمة أجهزة الأمن الإسرائيلية في توزيع بيانات مزورة عديدة استهدفت الحركة.

يتضح مما سبق الصعوبات الحقيقية التي تواجه الباحث خلال دراسته لأدبيات الحركة، الأمر الذي يفرض علينا لتكملة الصورة الرجوع إلى بيانات ووثائق الحركة التي صدرت قبل اندلاع الانتفاضة، بالإضافة إلى بعض الكتابات لبعض قيادييها والتي نشرت بتوقيع أو من دون توقيع، إلى جانب بعض المقابلات التي نشرت في بعض الدوريات والنشرات الصادرة في لندن وقبرص وأوسلو والقاهرة.

د بيانات لتنظيمات وأحزاب مختلفة داخل م. ت. ف.،

لكنها غير منضوية تحت لواء (ق. و. م.)

أهم هذه التنظيمات: جبهة التحرير العربية الموالية للعراق، وجبهة النضال الشعبي، وحزب العمال الشيوعي الفلسطيني. وهذه التنظيمات عاملة ضمن إطار م. ت. ف.؛ فالأولى ممثلة داخل اللجنة التنفيذية لـ م. ت. ف. والمجلس المركزي والمجلس الوطني لـ م. ت. ف. أما الجبهة الثانية فممثلة في عضوية المجلسين الوطني والمركزي لـ م. ت. ف. بعد انفصالها عن جبهة الإنقاذ رسميا في كانون الثاني/يناير 1988. غير أن هاتين الجبهتين غير ممثلتين ضمن إطار (ق. و. م.) بسبب الضعف النسبي لقوتهما السياسية داخل الأراضي المحتلة. وبالنسبة إلى بياناتهما، فإنها محدودة من حيث العدد والتوزيع والانتشار قياسا بأطراف (ق. و. م.).

هـ - بيانات تنظيمات المعارضة التي انفصلت عن م. ت. ف.

ونقصد بذلك: حركة فتح / الانتفاضة بقيادة أبو موسى، والجبهة الشعبية / القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، والحزب الشيوعي الفلسطيني الثوري بقيادة عربي عواد. وقد وزعت هذه التنظيمات بياناتها إما بشكل منفرد وإما بشكل ثلاثي جماعي أو ثنائي. وعلى الرغم من أن البيانات التي أصدرتها هذه التنظيمات ظلت محدودة التوزيع والانتشار والعدد، بالنسبة إلى أطراف (ق. و. م.)، فإن بعضا منها يكتسب أهمية ما بسبب طبيعة الطرح السياسي يشكل منظومة أخرى من التفكير قياسا بأطراف (ق. و. م.)، إذ ترفض هذه القوى رفضا مطلقا الحلول السلمية والمؤتمر الدولي، وتعتبر الكفاح المسلح الأسلوب الوحيد لتحرير فلسطين. 

ثانيا: الشعارات والرسومات السياسية

على الجدران (graffiti)

لقد مثّل الشعار السياسي المكتوب على الجدران دورا فائق الأهمية في انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال؛ إنه أداة للإِعلام والتعبئة ومدخل إلى مواجهة دائمة مع القوات الإسرائيلية. وهو، بالإضافة إلى ذلك، تعبير عن التنوع والديمقراطية في المجتمع الفلسطيني. ويندر اليوم أن تنقل وسائل الإِعلام صور المواجهة مع جنود  الاحتلال من دون أن تكون في خلفية هذه الصور شعارات ممسوحة أو مكتوبة.[15]   فالشعارات موجودة في كل مكان، وهي وسيلة رئيسية للتعبير الشعبي. وللأسف الشديد، وعلى الرغم من أهمية هذه الشعارات – كمصدر تاريخي رسمي وشعبي للانتفاضة – فإنه لا توجد على حد علمنا عملية توثيق منهجية لهذا العمل. فالشعارات تعطي فرصة نادرة لالتقاط التعبيرات الصادقة لردات الفعل السريعة على الأحداث، من دون انتظار توجيهات القيادة المركزية. فما إن يستشهد مناضل أو يمر حدث إلا ويكون الرد ماثلا في الصباح التالي على الجدران ليقرأه مئات المارة القاطنين. وطبعا، فإن ذلك كان بمثابة سد لثغرات النداءات التي تصدرها (ق. و. م.)، والتي تصدر منذ بداية الانتفاضة بمعدل نداء واحد كل أسبوعين. وبينما يحتاج النداء إلى أيام من التنسيق المسبق والمشاورات بين القوى السياسية الأربع، بالإضافة إلى الصعوبات المتعلقة بالإِعداد الفني للبيان وطباعته وضمان توزيعه في أوضاع بالغة السرية والتعقيد، فإن الشعار لا يحتاج من الناحية الفنية إلا إلى توجيهات كادر أعلى أو مبادرة فردية، وعلبة دهان، ليكون قد تجسد على الجدار. وقد أصبحت الشعارات سببا للمواجهة مع القوات الإسرائيلية. إذ بدأت السلطات الإسرائيلية الانتباه لأهمية الشعارات، وأصبحت عملية إزالة الشعارات إحدى المهمات الرئيسية للدوريات الإسرائيلية، التي تجبر السكان على مسح الشعارات. وقد أصدرت السلطات أمرا عسكريا يعاقب بالسجن لمدة 5 أعوام أو بغرامة مقدارها 1500 شيكل (750 دولارا) أو الاثنين معا، كل من يرفض الانصياع لأوامر الجنود بمسح الشعارات.[16]   وفي الأشهر الأخيرة، تشددت السلطات الإسرائيلية في موضوع مسح الشعارات ومحاربتها. وخلال تشرين الأول/ أكتوبر، قتل شابان بعد أن أطلقت القوات الإسرائيلية النار عليهما خلال قيامهما بكتابة الشعارات.[17]   كما أصدرت أمرا عسكريا جديدا يخول القوات الإسرائيلية التغريم الفوري بـ 350 شيكلا لكل من لا يبادر إلى مسح الشعارات على جدران منزله، الأمر الذي أدى إلى إزالة جزء كبير من هذه الشعارات وخصوصا في المدن الرئيسية.[18]

 ثالثا: بيانات وعرائض المؤسسات والشخصيات

والمنظمات الجماهيرية واللجان الشعبية

صدر، خلال الانتفاضة، العديد من التصريحات والبيانات والعرائض من جانب المؤسسات والشخصيات الوطنية والتنظيمات الجماهيرية (لجان المرأة، ومجالس الطلبة، والنقابات المهنية)، ألقى الضوء على موقف ودور قطاعات معينة من المجتمع الفلسطيني خلال الانتفاضة.

فيما يتعلق بالشخصيات، لا بد من القول إن عدد وثائقها وأثرها في الشارع كانا محدودين، وذلك لضعف دورها خلال الانتفاضة الذي لا يمكن بأي حال قياسه بدور الشخصيات والمؤسسات الوطنية (البلديات، والجامعات ومؤسسات التعليم العالي، والنقابات المهنية، واتحادات العمال...) خلال الفترة 1967 – 1982، حين قامت هذه المؤسسات والشخصيات بدور مهم في الأحداث خلال الفترة نفسها؛ ويعود ذلك إلى طبيعة الانتفاضة الشاملة، إذ انخرط فيها مئات الآلاف من جميع القطاعات والفئات الاجتماعية والمناطق، وخصوصا في المخيمات والقرى التي لا تأثير لهؤلاء الوجهاء والشخصيات في الأحداث فيها من جهة، وإلى سياسة إضعاف المؤسسات التي اتبعتها إسرائيل، وخصوصا منذ نهاية السبعينات، والتي دخلت مرحلة جديدة مع عزل طبيعة التحرك السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في أعقاب سنة 1983 الذي اقتضى شخصيات سياسية أكثر اعتدالا، من جهة أخرى.[19]   من هنا، فإن دور الشخصيات الوطنية المستقلة، والتي قامت بدور مهم في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات، قد تقلص لمصلحة زعامة جديدة مركزها في القدس أساسا، بحكم مكانة القدس الدينية والعالمية ووجود مركز وسائل الإِعلام الفلسطينية والإسرائيلية والعاملين فيها. وعلى الرغم من ذلك، فإن بروز (ق. و. م.)، وطبيعة تركيب هذه  النخبة الجديدة، وطبيعة الانتفاضة نفسها، جعلت دور هؤلاء مقتصرا على كونهم متحدثين باسم الانتفاضة ومعرّفين بها، ولم يستطع هؤلاء أن يقوموا في مجتمعاتهم بالدور نفسه الذي قامت به قيادات وشخصيات الفترة 1967 – 1982، وظل دورهم محدودا جدا قياسا بدور القوى السياسية المنظمة لفصائل م. ت. ف. وأطرها الجماهيرية.[20]

ومع ذلك، يجب الإشارة إلى صدور عدة بيانات أو وثائق أو عرائض عن هذه الشخصيات، تتميز بالأهمية. أولى هذه الوثائق بيان صدر باسم المؤسسات والفعاليات الوطنية في 14/1/1988، بعد نحو شهر من اندلاع الانتفاضة. ويعكس هذا البيان، الذي قدم للصحافيين خلال مؤتمر صحافي عقد في صالة الفندق الوطني في القدس، موقف بعض الشخصيات الوطنية التي صاغت بيانا يتميز بالوضوح من حيث المطاليب العادلة للانتفاضة، مثل: وقف أعمال القمع الإسرائيلية، ووقف الاستيطان، ووقف مصادرة الأراضي وسياسة الضرائب الغاشمة... إلخ.

إن الطريقة التي تمت بها قراءة البيان على الصحافيين، وأجوبة الشخصيات التي قدمت البيان عن أسئلة الصحافيين، بالإضافة إلى طبيعة المطاليب التي وردت في البيان والتي استمدت من بيانين سابقين، الأول لـ"القوى الوطنية في غزة" بتاريخ 8/1/1988، والثاني نداء (ق. و. م.) رقم (2)، لتدل على طبيعة دور هذه الشخصيات خلال الانتفاضة، وبالتحديد في مراحلها الأولى، على الرغم من أهمية البيان الذي استطاع إيصال صوت الانتفاضة إلى قنوات وسائل الإِعلام العالمية والقنصليات الأجنبية التي لم تكن لديها المعرفة بـ (ق. و. م.) ومطاليبها.

 أما الوثيقة الثانية المهمة، فتتعلق بما هو معروف بـ "وثيقة الحسيني". وبادىء ذي بدء، يجب أن نوضح أن الوثيقة عبارة عن مسودة أولية لم يجر تداولها، وتتعلق بإعلان استقلال للدولة الفلسطينية، وجدتها سلطات الاحتلال عندما قامت بمداهمة مكتب فيصل الحسيني داخل مقر جمعية الدراسات العربية في القدس. وقد قامت السلطات الإسرائيلية بتسريب النبأ والسماح بنشرها في الصحف المحلية لأسباب مجهولة. وقد تأثر كاتبو هذه المسودة (عدة أشخاص من منطقة واحدة) إلى حد كبير بمقترحات نَشَرَها عدة مرات وفي صحف مختلفة قبل عدة أشهر الأكاديمي الأميركي اليهودي جيروم سيغال، المدرس في جامعة ماريلاند الأميركية. وتنبع أهمية "الوثيقة" من كونها تبنيا فلسطينيا لبعض الأفكار التي طرحت تحويل الانتفاضة من مواجهات إلى تحقيق إنجاز سياسي ودبلوماسي عملي.[21]

وعلى عكس دور المؤسسات والنقابات المهنية التي تراجعت أهميتها خلال الانتفاضة، فقد برز دور المنظمات الجماهيرية واللجان الشعبية، وكان ذلك انعكاسا لدور صغار الشبان في الانتفاضة. وأبرز هذه المنظمات حركة الشبيبة (التابعة لفتح)، ويليها لجان المقاومة الشعبية (التابعة للجبهة الشعبية). وبصورة عامة، قامت اللجان الشعبية بدور مهم خلال الانتفاضة. ومن المهم النظر إلى أدبيات هذه اللجان على الرغم من عدم انتظام بياناتها. وبالإضافة إلى منظمات الشبيبة، فإن اللجان النسائية قامت بدور مهم خلال الانتفاضة، وهو ما انعكس على الدور الرائع للمرأة الفلسطينية خلال الانتفاضة. ولا بد لدى الحديث عن دور المرأة خلال الانتفاضة من الرجوع إلى بيانات ونشرات أربع منظمات نسائية جماهيرية:

  • لجان العمل النسائي (قريبة من أوساط الجبهة الديمقراطية).
  • لجان المرأة العاملة (قريبة من أوساط الحزب الشيوعي الفلسطيني).
  • لجان المرأة الفلسطينية (قريبة من أوساط الجبهة الشعبية).
  • لجان المرأة للعمل الاجتماعي (قريبة من أوساط فتح).

 رابعا: النشرات السرية

التي صدرت خلال الانتفاضة

نتيجة الرقابة الشديدة المفروضة على الصحف، وغياب حرية التعبير السياسي بأشكالها كافة، لجأت القوى السياسية إلى التعبير عن نفسها من خلال نشرات سرية ملأت بعض الفراغ الذي لم تملأه البيانات أو الشعارات على الجدران؛ إذ يتميز هذا الأسلوب من الأسلوبين السابقين بوجود مقالات تحتوي على تحليل أعمق نسبيا، بالإضافة إلى معلومات أكثر تفصيلا عن موضوعات مختلفة.[22]

وعلى الرغم من أهمية هذا الشكل من وسائل التعبئة والتوجيه والإِعلام، فإنه يلاحَظ أن (ق. و. م.) لم تطرح أية نشرة خاصة بها؛ وهو ما يعود إلى طبيعة بنية (ق. و. م.) وأسلوب عملها. غير أن بعض القوى الممثلة في داخلها قد أصدر نشرات خاصة به:

  • "صوت الانتفاضة": نشرة سرية من 10 صفحات تقريبا، تصدرها "القيادة العامة لكتائب أبو جهاد". وقد صدر منها 17 عددا حتى الآن، وُزع أولها في مطلع صيف سنة 1988. وتمثل النشرة وجهة نظر اتجاه فقط داخل صفوف فتح في الأراضي المحتلة. وعليه، فلا يمكن اعتبارها ناطقة باسم حركة فتح.
  • "ضمير الانتفاضة": نشرة سرية من 10 صفحات تقريبا، تصدرها "لجان المقاومة الشعبية" التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقد صدر منها حتى الآن 10 أعداد، صدر أولها في مطلع صيف سنة 1988.
  • "راية الاستقلال": نشرة سرية شهرية تصدرها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وشعارها: نحو تصعيد الانتفاضة ودحر الاحتلال وتجسيد دولة فلسطين. وقد صدر منها حتى الآن 8 أعداد، صدر أولها في شباط/فبراير 1989.
  • "المواجهة"، "جيل النار"، "إلى الأمام": ثلاث نشرات توزعها اللجان الشعبية التابعة للحزب الشيوعي الفلسطيني في مناطق رام الله ونابلس وبيت لحم. وعدد صفحاتها قليل قياسا بالنشرات السابقة. كما وُزع منها أعداد أقل. غير أنها تتميز من النشرات السابقة بأنها تعالج خصوصية المناطق التي توزع فيها بحكم عددها. وبالإضافة إلى هذه، فإن الحزب الشيوعي يوزع نشرة "الوطن" الناطق باسمه. غير أن هذه النشرة كانت موجودة قبل الانتفاضة بزمن طويل. وبالإضافة إلى أطراف (ق. و. م.)، هناك نشرة سرية مهمة باسم "الانتفاضة" تصدر عن مجموعة اللجان الوطنية الديمقراطية، والتي يقوم حزب العمال الشيوعي الفلسطيني بدور مهم فيها. وتعتبر هذه النشرة من أهم ما صدر خلال الانتفاضة من نشرات، إذ وُزع أول عدد منها في كانون الثاني/يناير 1988. وقد صدر منها 21 عددا، بينها عدد خاص في الذكرى الأولى للانتفاضة. وتنبع أهمية هذه النشرة من كونها أول نشرة سرية للانتفاضة، ومن الاستمرارية والانتظام في توزيعها وفي استكتابها لمجموعة من المثقفين المستقلين؛ الأمر الذي انعكس على نوعية كتاباتها.

أما بالنسبة إلى النشرات التي صدرت عن القوى السياسية خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية، فهناك "الحقيقة" التي تصدرها فتح / القيادة الموقتة بقيادة أبو موسى. وقد صدر منها حتى الآن 11 عددا، كان أولها في شباط/فبراير 1989. وكُتب على رأس الصفحة الأولى منها أنها "محصورة التداول للأعضاء". وابتداء من العدد الثاني، رفعت شعار "من أجل انتصار الخط الوطني الديمقراطي في الثورة الفلسطينية / من أجل تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني". وفيما بعد تم توزيعها على أنصار الحركة. وتتميز هذه النشرة، المقصورة على أعضاء التنظيم وأنصاره، بعدد صفحاتها؛ فقد بدأ العدد الأول بـ 16 صفحة، والعدد الثاني بـ 24 صفحة، ثم استقرت على 28 صفحة. أما الحزب الشيوعي الفلسطيني الثوري بقيادة عربي عواد، فيوزع نشرة شهرية منتظمة باسم "الثوري"، صدر منها حتى الآن 14 عددا.

وبالنسبة إلى "الحركات الإسلامية"، فإن أهم النشرات نشرة حركة المقاومة الإسلامية وهي تصدر باسم "حماس". وقد بدأت بالصدور في آذار/ مارس 1988، وصدر منها 9 أعداد. غير أن توزيعها ظل محدودا جدا. أما حركة الجهاد الإسلامي، فقد أصدرت نشرة "النفير"، غير أنه لم يتح لنا الاطلاع سوى على عدد واحد منها. ونعتقد أن توزيعها محدود جدا وغير منتظم، هذا إذا استمرت في الصدور.

بصورة عامة، وعلى الرغم من أهمية النشرات في تقديم مقالات ومواد أكثر تنوعا وغنى من بيانات القوى السياسية، فإن تأخر إصدارها، وعدم انتظامها أحيانا، وقلة توزيعها وانتشارها، واقتصار بعضها على الأعضاء، تجعلها أقل تأثيرا في الشارع الفلسطيني. أما في حالة اقتصارها على التوزيع الداخلي، فإن ذلك يجعلها أكثر أهمية من البيانات لدراسة الفكر الداخلي للتنظيم وأساليب التعبئة المباشرة.

 خامسا: الصور والملصقات

كغيرها من أشكال التعبير السياسي التي سبق ذكرها، استخدمت الملصقات (البوسترز) والصور قبل الانتفاضة في مجالات التعبئة والإِعلام  والاحتجاج. غير أنها اقتصرت في معظم الأحيان – فيما عدا صور الرئيس عرفات – على كونها ظاهرة مركزية وخاصة بالمدن. أما بعد الانتفاضة، وخصوصا في العام الثاني منها، فقد أخذت بعدا جديدا لا من حيث الكمية فقط إذ وزعت أحيانا عشرات الآلاف من هذه الصور أو الملصقات، بل أيضا من حيث التنوع إذ غطى بعض من هذه الملصقات موضوعات جديدة لم تكن مطروقة قبلا. كما أصبحت الملصقات أمرا شائعا في القرى والمخيمات، وظهرت الصور والملصقات الخاصة بقرية معينة أو مجموعة قرى، وخصوصا فيما يتعلق بصور شهداء تلك القرية أو مبعديها؛ وهذه ظاهرة جديدة بصورة عامة. وقد خُصص معظم ملصقات الصور للرئيس عرفات يليه أبو جهاد أو للإِثنين معا. وأهم هذه الملصقات التي حملت صور الزعيمين، كانت تلك التي وزعت قبل انعقاد مؤتمر فتح الخامس في أوائل آب/ أغسطس 1989، وتلك التي وزعت عشية الذكرى الأولى للاستقلال 15/11/1989 حيث توسطت الملصق وثيقة الاستقلال.

 وبالإضافة إلى ذلك، ظهرت أول مرة وبكثافة صور زعامات فلسطينية أخرى مثل: جورج حبش، ونايف حواتمة، وغسان كنفاني، وماجد أبو شرار، وخالد نزال (قائد عسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين اغتيل في أثينا)، وأبو علي مصطفى. وقد وزعت هذه الصور على ما يبدو بصورة مركزية وعامة. ولم تقتصر الملصقات والصور المركزية على زعامات مسؤولة في منظمة التحرير، بل تعدت ذلك إلى كوادر من الأراضي المحتلة لم تكن معروفة تماما على صعيد الشارع، مثل عمر القاسم عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية الذي قضى نحبه في سجون الاحتلال في إثر  مرض عضال بعد سجن دام 21 عاما، ومحمد الخواجا وابراهيم الراعي اللذين سقطا خلال التعذيب في سجون الاحتلال: الأول سنة 1976، والثاني خلال الشهر الرابع من سنة 1988. وقد أدى ذلك إلى خلق رموز يقتدى بها، لم تكن معروفة قبلا إلا ضمن أطرها التنظيمية أو حول أماكن إقامتها. وبالنسبة إلى (حماس) فإن الصور الوحيدة التي وزعتها كانت للشيخ أحمد ياسين بعد اعتقاله، وقد لاحظنا أن توزيعها في رام الله بالذات كان محدودا جدا. أما الحزب الشيوعي الفلسطيني، فقد اقتصر على توزيع صور سليمان النجاب عضو المكتب السياسي وممثل الحزب داخل اللجنة التنفيذية لـ م. ت. ف. أما بقية التنظيمات الأخرى الصغيرة فلم توزع، على حد علمنا، أيا من صور قياداتها، بل انتقدت عملية الإِنفاق على صور القيادات. وفي منطقة غرب رام الله استطعنا تسجيل شعار: "نعم لحليب الأطفال، لا للصور". غير أن هذا الشعار ظل محدودا جدا على ما يبدو. وبالإضافة إلى صور القيادات، والشهداء من الكوادر والعناصر، وُزع العلم الفلسطيني على شكل ملصق في العديد من القرى، غير أن نوعية الورق والطباعة دلت على أن ذلك قد جاء بمبادرة محلية. كما احتلت خريطة فلسطين وشعار لا إله إلا الله مكانا مهما في العديد من الملصقات التي تنوعت ألوانها وأساليبها، بحيث يمكن القول انها أصبحت واحدا من أشكال التعبير الفني خلال الانتفاضة. وكان بعض من هذه الرسومات عبارة عن شعارات ورسوم مفرغة على الكرتون المقوى الذي يتم دهنه فيما بعد لتعطي الفراغات فيه شكلا محددا وموحدا. وختاما، لا بد من الإشارة إلى أن الملصقات كانت عرضة أكثر من أي شيء آخر للاندثار والضياع بحكم طبيعتها وصعوبة إخفائها وتعرضها للعوامل الجوية.

 سادسا: البيانات الإسرائيلية إلى السكان العرب

والتي تأخذ أشكالا مختلفة

خلال الانتفاضة الفلسطينية، وزعت في مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها بيانات ورسائل وقصاصات إسرائيلية لها علاقة بأحداث الانتفاضة. وعلى الرغم من كون هذه البيانات إسرائيلية فإنها تشكل، في رأينا، جانبا من المصادر الأولية المهمة عن الانتفاضة، إذ تلقي ضوءا على بعض أساليب الحرب النفسية التي استخدمتها إسرائيل ضد السكان العرب، منتحلة في بعض الأحيان توقيعات تنظيماتهم لضمان إعادة السيطرة على الأحداث وإنهاء الانتفاضة. كما أن من شأن الحديث عن هذه البيانات دفع الباحث إلى التحقيق في اصالة بعض المنشورات الموقعة باسم تنظيمات فلسطينية مختلفة. ونستطيع تقسيم البيانات والوثائق الإسرائيلية خلال الانتفاضة إلى:

  • البيانات والرسائل الإسرائيلية المزورة التي توزعها أجهزة الأمن والجيش، والتي تمثل أسماء مختلف التنظيمات الفلسطينية.
  • البيانات التي وزعها المستوطنون باسمهم على مدن الضفة الغربية وقطاع غزة وقراهما.
  • البيانات التي وزعها الجيش الإسرائيلي على مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وقراهما، مروّسة بشعار الجيش.
  • أوراق وقصاصات مختلفة بلا توقيع، وتهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للفلسطينيين.

أ)  البيانات والرسائل المزورة

وزعت أجهزة الأمن الإسرائيلية، خلال الانتفاضة، بيانات مزورة منتحلة اسم وتوقيع (ق. و. م.) وأطرافها الأربعة، وكذلك توقيعات حركة (حماس) والجهاد الإسلامي. كما اختلقت أسماء تنظيمات وهمية. لقد كانت هذه البيانات جزءا من الحرب النفسية الشاملة ضد الانتفاضة، تتلاءم ضراوتها مع ضراوة الانتفاضة. وقد هدفت إلى إثارة المشكلات والفتن بين مختلف التنظيمات الفلسطينية وفي أوساط الشعب الفلسطيني، وإلى تشويش وإرباك البرامج النضالية اليومية التي حددتها (ق. و. م.)، وإلى دق إسفين بين الشعب وقيادته في الداخل والخارج، وإثارة جو من التوتر الاجتماعي بين مختلف الطبقات والطوائف الاجتماعية.

من ناحية أخرى، وعلى صعيد التأريخ للانتفاضة ودور البيان السياسي فيها، فقد هدفت هذه البيانات إلى تحييد دور البيانات الفلسطينية الأصلية والتي قامت بدور مهم في تعبئة الشارع الفلسطيني وتوجيهه خلال الانتفاضة. كما أن مجموعة المستشرقين والمستعربين بين المؤرخين الإسرائيليين، والتي تقف وراء صوغ هذه البيانات تهدف، في المدى البعيد، إلى تزوير الأحداث التاريخية للانتفاضة وصورتها من خلال دراسات المستقبل، والتي ستكون هذه البيانات جزءا منها. وقد يستغرب البعض حديثنا هذا، لكن بعضا من هذا الاستغراب يزول إذا علمنا أننا اطلعنا على أكثر من 60 بيانا مزورا، وأن هذه لا تشكل سوى كمية ثلث إلى نصف البيانات التي وزعت فعلا والتي لم تسنح لنا الفرصة للاطلاع عليها جميعا.[23]

شكل استخدام هذا النوع من الحرب النفسية وبهذه الكثافة أسلوبا جديدا لأجهزة الأمن الإسرائيلية التي بدأت توزيع هذه البيانات أول مرة في 29/1/1988. وبصورة عامة، فإن البيانات مكتوبة بلغة وطريقة لا تخفيان على القارىء العربي، غير أن بعضها يتميز بالذكار وصعوبة اكتشافه أول وهلة. والغريب في الأمر أن معظم هذه البيانات يتسم بالتطرف السياسي ومهاجمة "الخط المعتدل" داخل م. ت. ف.

أما الشكل الآخر من هذه الوثائق المزورة، فيأخذ صورة رسائل تهديد شخصية موقعة باسم التنظيمات الفلسطينية واللجان الشعبية، وموجهة غالبا إلى شخصيات وكوادر فلسطينية وطنية. وبالإضافة إلى الأهداف التي سبق أن ذكرناها فيما يتعلق بالبيانات المزورة، فإن هذه الرسائل تهدف إلى التأثير في هذه الشخصيات الوطنية وثنيها عن الاستمرار في نشاطاتها السياسية أو الإعلامية. وغالبا ما تكون هذه الرسائل من نسخة واحدة، الأمر الذي يجعل من الاستحالة بمكان توثيقها على الرغم من أن عشرات من هذه الرسائل قد تم توزيعها.

ب) بيانات المستوطنين

وهي بيانات وزعها المستوطنون اليهود على السكان العرب. وفي الغالب، فإن لغة التهديد والتحذير تكون سائدة في هذه البيانات التي توزع بصورة خاصة في مناطق القرى التي يمر المستوطنون بها. وتلقي هذه البيانات المكتوبة غالبا بخط اليد، وبلغة عربية ركيكة مملوءة بالأخطاء الإِملائية، الضوء على طبيعة العلاقة بين القرويين الفلسطينيين والمستوطنين الصهاينة. إذ يشتم منها لغة الاستعلاء والغطرسة والحقد. وقد وزعت أعداد محدودة من هذا النوع من البيانات، وخصوصا في الأشهر الأولى للانتفاضة.

 ج) البيانات التي وزعها الجيش الإسرائيلي

وهي بيانات موجهة إلى أهالي القرى والمدن، وتكون مروّسة بخاتم الجيش الإسرائيلي وموقعة باسم قائد المنطقة. تتميز هذه البيانات، التي وُزع منها أعداد قليلة، بانتهاجها مبدأ "العصا والجزرة" في مخاطبة السكان، وهي تشبه شبها كبيرا بيانات سلطات الانتداب التي وزعت على الفلاحين الفلسطينيين خلال ثورة 1936. وبالإضافة إلى هذه الأشكال من أنواع الحرب النفسية، عمدت السلطات الإسرائيلية، في مناسبة واحدة على الأقل (خلال صيف سنة 1988)، إلى توزيع قصاصات من الورق مكتوبة بخط كبير، تستخف بالانتفاضة وتشكك في فاعليتها ونتائجها، من خلال استخدام أمثال عامية فلسطينية تدور موضوعاتها حول الفشل والإِحباط وعدم الجدوى من مقارعة الأقوى والنفعية، من أمثال "رجعت حليمة..."، و"ودّونا على البحر ورجعونا عطشانين"، و"ناس بيوكلو جاج وناس بيوقعوا في السياج"، و"شبعنا وعود وقرفنا"، و"1936 – 1988 تيتي تيتي متل ما رحتي جيتي". وقد وزعت هذه القصاصات بطائرات الهيليكوبتر بدلا من الأسلوب المستخدم الذي يتمثل في توزيع البيانات المزورة خلال الساعات المتأخرة من الليل بواسطة الدوريات الإسرائيلية أو العملاء.

وختاما تجدر الإشارة، في المقابل، إلى البيانات التي وزعها الجانب الفلسطيني باللغة العبرية والموجهة إلى جنود الاحتلال. وعلى الرغم من أن هذه البيانات قد وزعت بهدف حث الجنود على الامتناع من قمع السكان ورفض الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة وإعلامهم بالأهداف السياسية للانتفاضة، فإن قلة عدد البيانات الذي لا يزيد، وفقا لعلمنا، على عدد أصابع اليد الواحدة، بالإضافة إلى توزيعها بصورة محدودة جدا وكتابتها بلغة ركيكة، جعلت أثرها غير ذي شأن.

 

[1]    يوجد العديد من الأمثلة التي عمدت فيها قوة سياسية منفردة إلى إصدار بيان محلي باسم (ق. و. م.) من دون أن يوقع باقي القوى البيان. أو كما جرى في بلدة بيرزيت حيث وقعت البيانات على النحو التالي: "القيادة الوطنية الموحدة في بيرزيت ما عدا الحزب الشيوعي".

[2]   مقابلات أُجريت خلال الانتفاضة مع عدة أشخاص وكوادر متعاطفين مع قوى سياسية مختلفة.

[3]   مقابلات أُجريت خلال الانتفاضة مع عدة أشخاص وكوادر متعاطفين مع قوى سياسية مختلفة.

[4]   مقابلات أُجريت خلال الانتفاضة مع عدة أشخاص وكوادر متعاطفين مع قوى سياسية مختلفة، بينها الحزب الشيوعي الفلسطيني.

[5]   مقابلات أُجريت خلال الانتفاضة مع عدة أشخاص وكوادر متعاطفين مع قوى سياسية مختلفة.

[6]   المقصود بذلك النداء رقم (4).

[7]    راجع الصحف في مطلع نيسان / إبريل 1988.

[8]   أنظر ميثاق حركة المقاومة الإسلامية، الذي وزع بتاريخ 18/8/1988، ص 5. وفي شأن اسم حماس: في الواقع الاختصار الدقيق يعطي كلمة حمس، غير أن الإخوان المسلمين أضافوا حرف الألف قبل السين فأصبحت حماس بمعنى الشدة والشجاعة. (أنظر ميثاق الحركة، ص 4). ويشير الباحثان الفلسطينيان علي الجرباوي وزياد أبو عمرو: الأول في كتابه "الانتفاضة والقيادات السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة" (بيروت: دار الطليعة، نيسان/إبريل 1989)، ص 126 – 127، والثاني في كتابه "الحركة الإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة" (عكا: دار الأسوار، أيلول/ سبتمبر 1989)، ص 91 – 92، إلى أن "تستر" جماعة الإخوان المسلمين وراء "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) كان لمواجهة التغير في الوضع السياسي الذي أفرزته الانتفاضة، كما رغب الإخوان المسلمون في زج طاقاتهم في الانتفاضة من دون أن ينعكس ذلك سلبا على مصير الجماعة في حالة الفشل، إذ يمكن عندها التنصل من مسؤولية جماعة الإخوان المسلمين. أما إذا استمرت الانتفاضة فسيكون من السهل تجيير إنجازات (حماس) لمصلحة الجماعة، على الرغم من أن (حماس) أعلنت أول مرة في ميثاقها أنها "جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين"، وأن هذا الإعلان جاء بعد تسعة أشهر تقريبا من اندلاع الانتفاضة.

[9]   في شأن حركة (حماس) والإخوان المسلمين، أنظر: أبو عمرو، مصدر سبق ذكره؛ الجرباوي، مصدر سبق ذكره؛

Liza Taraki, “The Islamic Resistence Movement in the Palestinian UprIsing”;         

ربعي المدهون، "الحركة الإسلامية في فلسطين (1928 – 1987)"، مجلة "شؤون فلسطينية" (نيقوسيا)، العدد 187، تشرين الأول/ أكتوبر 1988؛ إياد برغوثي، "م. ت. ف.، حماس والانتفاضة"، مجلة "الفكر الجديد" (حيفا)، العدد الأول، آب/أغسطس 1989. كما أنظر: مجلة قضايا فكرية، القاهرة، الكتاب التاسع، 1989 والذي يضم دراسات سياسية مختلفة عن الإسلام السياسي في العالم العربي وفلسطين. أما بالفرنسية، فتجدر العودة إلى كتابات الباحث الفرنسي والمختص بالحركات الإسلامية في فلسطين، جان فرانسوا لوغران.

[10]   حددت حركة حماس في بيانها رقم (51) أن بيانها الأول قد صدر بتاريخ 14/12/1987، أي بعد خمسة أيام من اندلاع الانتفاضة. وكنا قد علمنا بوجود هذا البيان الذي حصلنا على نسخة عنه قبل أيام من هذا الإِعلان. غير أن هذا البيان يخضع لعملية بحث شاملة للتحقق من أصالته.

[11]  مقابلة خاصة مع الباحث الفرنسي جان فرنسوا لوغران، البيرة، مطلع سنة 1989. غير أننا لا نستطيع تأكيد هذا الافتراض أو نفيه.

[12]   يلاحَظ أن معدل إصدار البيانات كان أسرع في العام الأول. وعلى سبيل المثال، فإن البيانات العشرة الأولى لـ (ق. و. م.) كان بمعدل بيان واحد كل ستة أيام. أما في العام الثاني، فكانت بمعدل بيان واحد كل اثني عشر يوما. وأما مع نهاية العام الثاني، فقد أصبحت بمعدل بيان كل خمسة عشر يوما.

[13]  يلاحَظ أن حركة حماس هي أكثر القوى السياسية تنبها لموضوع البيانات الإسرائيلية المزورة، إذ عمدت بشكل فوري إلى الكشف عنها وتعريتها بصورة أفضل من باقي القوى السياسية.

[14]   على العكس مما قيل في العديد من الدراسات، فإن حركة الجهاد الإسلامية لم تكن قط طرفا داخل (ق. و. م.).

[15]   لمزيد من التفاصيل عن الشعارات السياسية على الجدران، أنظر مقالنا في "اليوم السابع" (باريس)، 5/6/1989. كما تجدر الإشارة إلى قيام معهد العالم العربي في باريس بتنظيم معرض صور الانتفاضة، احتوى على قسم للشعارات السياسية على الجدران من مجموعة وثائقنا حول الشعارات في شهري تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر 1989.

[16]   أمر بشأن تعليمات الأمن (يهودا والسامرة) (378) 5730 – 1970 صادر في 19/6/1988 عن غابي عوفير قائد منطقة الضفة الغربية.

[17]   الأول جميل عيد جواريش من بيت جالا، والثاني رمضان القواسمي من الخليل، وقد استشهدا في 13 – 14/10/1989.

[18]   أمر عسكري رقم (1263)، وقد طبق هذا الأمر منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 1989 بشكل انتقائي.

[19]   عن سياسة ضرب المؤسسات، أنظر:

Saleh Abdul-Jawad, Israel’s Policy of De-Institutionalization: A Case of Palestinian Local Government (Amman; London: Jerusalem Center for Development Studies, 1987).                                                        

[20]   أنظر: الجرباوي، مصدر سبق ذكره، ص 2.

[21]   المدهون، مصدر سبق ذكره، ص 100 – 104، بالإضافة إلى اعتمادنا على الوثيقة بصورتها الكاملة.

[22]  جميع المعلومات عن النشرات السرية مستمدة من أرشيفنا الخاص لهذه النشرات، كما هو الحال بالنسبة إلى جميع البيانات التي ذكرناها في شأن هذه الدراسة.

[23]   لمزيد من التفاصيل، أنظر مقالنا في "اليوم السابع"، 24/7/1989.

Author biography: 

صالح عبد الجواد: رئيس دائرة التاريخ – جامعة بير زيت.